عصر إيران - الرّد الأمریکی على القمّة الإسلامیّة التی انعقدت فی إسطنبول یوم الأربعاء تلبیةً لدعوةٍ من الرئیس رجب طیب أردوغان للتصدّی لقرار الرئیس دونالد ترامب الاستفزازیّ بتهوید مدینة القدس المحتلّة جاء سریعًا، بل أسرع من المتوقّع، وعلى لسان السیدة نیکی هیلی المندوبة الأمریکیّة فی الأمم المتحدة التی قالت قبل أیّامٍ أن السّماء لم تهبط على الأرض بعد قرارنا بشأن القدس، وسنمضی قدمًا فیه دون تلکؤ.
السیدة هیلی التی تفوّقت على الرئیس ترامب فی عنصریّته وعدائه للعرب والمسلمین، بدأت حملة تحشیدٍ وتصعیدٍ ضد إیران دون أی سببٍ یستدعی ذلک غیر زرع بذور الفتنة، وتهیئة المجال لحربٍ طائفیّةٍ تحرق المنطقة، وتحلب ما تبقّى من أموالٍ فی جعبة دول فی الخلیج (الفارسی)، ورهن مخزونها النفطیّ لعقودٍ قادمة.
المندوبة الأمریکیّة فسّرت الماء بالماء عندما قالت: إن أمریکا لدیها الأدلّة على أن الصّاروخ الذی استهدف مطارًا مدنیًّا بالریاض هو صاروخٌ إیرانی، وأضافت: إن سلوک إیران فی منطقة الشّرق الأوسط یزداد سوءًا ویؤجّج الصّراع فی المنطقة.
هذه التّصریحات الاستفزازیّة الهدف الأساسی منها هو تحویل الأنظار العربیّة والإسلامیّة عن الجریمة الأمریکیّة فی القدس المحتلّة، والانحیاز الکامل لدولة الاحتلال الإسرائیلی وسیاساتها فی فرض الأمر الواقع بالقوّة.
فی الیمن هناك حربٌ شرسةٌ مستمرّةٌ منذ ثلاثة أعوامٍ تقریبًا، تستخدم فیه أطرافها، والتّحالف العربیّ بقیادة المملکة العربیّة السعودیّة، على وجه الخصوص، آلاف الأطنان من الذّخائر والصّواریخ والطّائرات الحدیثة القادمة من الولایات المتحدة الأمریکیّة، وبمئات الملیارات من الدولارات، ومن الطّبیعی أن یلجأ الطّرف الآخر إلى أی مصدرٍ للتّسلیح للدّفاع عن نفسه، اتّفقنا معه أو اختلفنا.
هبّة الغضب الأمریکیّة التی جرى تکلیف السیدة هیلی بالتّعبیر عنها، والتّرکیز على الصّاروخ الحوثی الذی استهدف مطار الملک خالد، شمال مدینة الرّیاض، باعتباره الذّریعة أو (رأس الحربة) فی هذه الحملة، تعود إلى عدّة أسباب:
الأول: إن قمّة إسطنبول التی حضرها أکثر من 57 زعیمًا ووزیر خارجیّة أکّدت على الوحدة الإسلامیّة، والرغبة فی التصدّی للانحیاز الأمریکی الکامل إلى جانب دولة الاحتلال الإسرائیلی، والدّفاع عن المقدّسات الإسلامیّة والمسیحیّة فی المدینة المقدّسة.
الثّانی: ظهور تحالفٍ سنّیٍّ شیعیٍّ عابرٍ للطّوائف والمذاهب، تمثّل فی الانسجام غیر المسبوق بین الرئیس رجب طیب أردوغان ونظیره الإیرانی حسن روحانی، وهذا التّحالف ینسف المخطّط الأمریکی الذی یرید إشعال حربٍ سنیّةٍ شیعیّةٍ، أو توظیف السّنّة العرب، فی الخلیج (الفارسی) خاصّةً، فی خوض هذه الحرب إلى جانب الولایات المتحدة الأمریکیّة.
الثالث: الصاروخ الحوثی البالیستی الذی وصل إلى هدفه، وسقط فی فناء المطار الدولی، وعطّل حرکة الطّیران، وأثار حالةً من الذّعر، أظهر فشل منظومة (باتریوت) الصاروخیّة الأمیرکیّة الصّنع فی اعتراضه، الأمر الذی وجّه ضربةً (قاصمةً) لجوهرة تاج الصّناعة العسکریّة الأمیرکیّة، خاصّةً أن سبعة صواریخ باتریوت یکلّف کل صاروخٍ منها ثلاثة ملایین دولار التی انطلقت لاعتراض ذلك الصّاروخ المجنّح (یکلّف عدّة آلاف من الدولارات) عجزت عن تحقیق هدف إسقاطه، مثلما ورد فی تقریرٍ خاص لصحیفة (نیویورک تایمز) الأمریکیّة.
إیران نفت هذا الاتّهام الأمریکی، وقالت: أنّه استفزازیٌّ، وغیر مسؤول، ولیس له أی أساس من الصحّة، وأن الأدلّة التی تحدّثت عنها السیدة هیلی (مفبرکة)، ولا نعتقد أن هذا النّفی الإیرانی سیجد أی صدىً، وهو یذکّرنا بالنّفی العراقی فی زمن حکم الرئیس الراحل صدام حسین بوجود أی أسلحة دمارٍ شامل فی ترسانته، وبقیّة القصّة معروفة.
الإدارة الأمریکیّة الحالیّة منیت بهزیمةٍ کبرى، داخل الولایات المتحدة وخارجها، فی الدّاخل عندما خسر حلیف ترامب المقعد الجمهوری فی انتخابات ولایة آلامابا، وخارجها عندما نأى حلفاء أمریکا الأوروبیون بأنفسهم عن قرار ترامب بتهوید القدس، وأعلنت کوریا الشمالیّة نفسها دولةً نوویّةً بالیستیّةً، وهدّدت بقصف العمق الأمریکی بصواریخها فی حال تعرّضها لأیّ اعتداء.
ترامب یقرع طبول الحرب، وضد دولةٍ إسلامیّة، ومن منطلقاتٍ عنصریّة، ویرید حلفاء من المسلمین أیضًا فی منطقة الخلیج (الفارسی) لیکونوا رأس حربتها، وتمویلها من خزائنهم، وتحدّثت السیدة هیلی بکل وضوحٍ عن سعی بلادها لتشکیل تحالفٍ دولیٍّ لمواجهة خطر إیران، وهنا تکمن المأساة الکبرى.
أمریکا لن تکسب هذه الحرب، لکن المؤکّد أن المسلمین أیضًا، والعرب خصوصًا، سیکونون وقودها وضحایاها، جنبًا إلى جنب مع حلیفهم الإسرائیلیّ الجدید.. والأیّام بیننا.
المصدر: رأى اليوم