عصر إيران - یبدو ان من بین جمیع الازمات العالمیة مثل التجارب الصاروخیة لکوریا الشمالیة الى الحرب ضد داعش، ثمة موضوع سیاسی واحد یشغل بال ترامب وهو القضاء على الإتفاق النووی، الإتفاق الذی ألغى العقوبات النوویة عن ایران لقاء بعض القیود.
وفیما کشف ترامب عن عدم تکیُّفه مع الإتفاق النووی الدولی المتعدد الجوانب مع ایران، فإن سفیرته فی الامم المتحدة التی لفّقت أکاذیب امام منظمة الامم المتحدة الاسبوع الماضی، تحدثت عن خطة احتمال إنسحاب امریکا من هذا الإتفاق وهی خطة تعد (انتحارا) تهدف لإلقاء مسؤولیة نقضه على الکونغرس الامریکی.
ولو أفلحت امریکا فی إلغاء الإتفاق النووی، فإن تبعاته الخطیرة لن تقتصر على ضرب مصداقیة امریکا على الصعید العالمی وإضعاف عملیة الحد من انتشار الاسلحة النوویة، بل سیؤدی ذلک أیضاً الى تغییرات فی السیاسة الخارجیة الایرانیة.
ان السیاسة الخارجیة الایرانیة تواجه على الدوام تحدیات داخلیة فیما یخص تطبیع العلاقات مع الغرب والإنفراج مع امریکا، فالفکر السائد فی ایران یرى ان السیاسة الامریکیة تقوم على اساس استخدام القوة؛ وعلیه فان أی مرونة من جانب ایران سوف تتسبب فی المزید من الضغوط الامریکیة.
فی الوقت ذاته إتّبعت (ایران) سیاسة خارجیة قائمة على المصالحة فی عهد رئاسة روحانی، کان مبررها فی الأغلب یعود الى الحل السلمی للأزمة النوویة وإلغاء العقوبات ذات الصلة بالموضوع، ولذا تحوّل الإتفاق النووی فی طهران الى معیار للحکم على الثقة أو عدم الثقة بالغرب وخاصة امریکا.
ان سماحة آیة الله الخامنئی القائد الأعلى للجمهوریة الاسلامیة قال فی ابریل 2015: (المفاوضات النوویة هذه هی تجربة جدیدة فی الوقت الراهن، فإذا وضع الطرف الآخر تصرفاته اللامعقولة جانبا فقد یشکل ذلک تجربة لنا لکی نتفاوض بشأن الموضوعات الأخرى أیضاً).
وحالیا حیث یُعرّض ترامب الإتفاق النووی لمخاطر، فان طهران تنظر أساسا بریبة الى التعاطى الدبلوماسی مع الغرب، فإذا ضرب ترامب الإتفاق النووی، فسوف یحصل اجماع بطهران على عدم وجوب التعاون أو الثقة أو التفاوض مع امریکا فی أی موضوع آخر.
فی الوقت ذاته، فان الساسة فی طهران سینتظرون ان کانت اوروبا ستتعاون مع ترامب ام لا فی هدفه للقضاء على الإتفاق النووی، فإذا تمسک قادة اوروبا بالإتفاق النووی بقوة، فان طهران ستعتمد على (العلاقات مع الغرب باستثناء امریکا) وستتعاون مع اوروبا بشأن سائر الازمات الإقلیمیة ومنها محاربة داعش، ولکن اذا ما استسلمت اوروبا لترامب على الرغم من تنفیذ ایران لتعهداتها، فعندها سیکون هناک سبب مشروع لکی تعطی طهران الأولویة وبشکل متزاید لتحفظاتها الامنیة مثل تعزیز قدراتها الصاروخیة وشبکة حلفائها الإقلیمیین.
التأثیر اللاحق لخطوة ترامب فی تخریب الإتفاق النووی، یجب ان نراه فی علاقات ایران مع قوى المعسکر الشرقی مثل روسیا والصین والهند. ففی عهد رئاسة اوباما، انضمت القوى الشرقیة الى العقوبات ضد ایران، وهذا ما صعق منه رئیس الجمهوریة آنذاک احمدی نجاد، لانه کان ینتهج سیاسة (التطلع للشرق).
أما اذا ما تمکنت قوى المعسکر الشرقی من الدفاع عن الإتفاق النووی وإبطال مفعول اجراءات ترامب الهدّامة، ومنع انضمام اوروبا المحتمل الى امریکا، فعندها سیظهر فی العالم تعددیة قطبیة جدیدة، وستتجه البوصلة الجغرافیة الایرانیة بشکل مؤثر لتوسیع التعاون التجاری والامنی والسیاسی والدولی مع القوى الشرقیة.
وبینما ترامب منهمك بتقییم تأثیر خطوته اللاحقة بشأن الإتفاق النووی، فان علیه ان یعلم بان انسحاب امریکا من الإتفاق، لن یعید ایران والعالم الى الظروف (الاجماع العالمی ضد ایران) السابقة، وستتدهور الظروف بالنسبة لامریکا فی المنطقة اذا امتنع عن تنفیذ التعهدات التی إلتزمت بها امریکا فی عهد اوباما، لان ایران سوف لن تضع امریکا فی حساباتها بعد ذلک، فی حین تساهم وتتعاون مع قوى عالمیة أخرى.
* نشر هذا المقال لحسين موسويان في صحیفة لوس انجلوس تایمز