عصر إيران - بينما يُصعّد الرئيس الفلسطيني محمود عباس من تهديداته بقطع المساعدات المالية ورواتب الموظفين في قطاع غزة، في محاولة للضغط على حركة "حماس″ للرضوخ لشروطه التي وردت في مبادرته الأخيرة للمصالحة، وعودة القطاع إلى مظلة سلطته في رام الله، تحقق الأخيرة، أي حركة "حماس″ إنجازات دبلوماسية إقليمية، أبرزها تطبيع العلاقات مع إيران، وفتح صفحة جديدة معها، تماما مثلما فعلت مع مصر، والتوصل إلى تفاهمات عبرها مع النائب محمد دحلان، المفصول من حركة "فتح”، وعدوها "اللدود” سابقا.
صحيح أن الرئيس عباس حظي بزيارة نادرة من قبل الملك الأردني، الملك عبد الله الثاني، إلى مقره في مدينة رام الله ام (الإثنين) استغرقت عدة ساعات، ولكن من الواضح أن عزلة الرئيس الفلسطيني وسلطته في رام الله في ازدياد بسبب حالة الجمود السياسي والدبلوماسي التي تعيشها، وتقدم الرئيس في السن، وتدهور حالته الصحية، وغِياب الحراك الدبلوماسي على الصعيدين العربي والدولي، واتخاذ قرارات غير صائبة، وأبرزها قطع رواتب عشرات الآلاف من الموظفين، والمساهمة في قَطع الكهرباء عن قطاع غزة.
الانتصار الكبير الذي حققته انتفاضة القدس المحتلة الأخيرة، وتمثل في إرغام السلطات الإسرائيلية على إزالة حواجزها الإلكترونية من مداخل المسجد الأقصى، وتبلور قيادة فلسطينية بديلة خارج إطار منظمة التحرير وفصائلها، شكل ويشكل حرجا كبيرا للرئيس الفلسطيني وقيادته، ويكشف بشكل واضح عن هذه العزلة التي ذكرناها آنفا، مع تقديرنا في الوقت نفسه لقراره بوقف الاتصالات بالإسرائيليين كرد على جرائمهم في القدس المحتلة، وتضامنا مع المرابطين في المدينة المقدسة.
الرئيس عباس في طريقه لخسارة قطاع غزة، لأن العقوبات المتواترة التي يفرضها على أبنائه، وتمثلت في تخفيض رواتب أكثر من 60 ألف موظف، وإحالة 6000 منهم إلى التقاعد المبكر، ووقف دفع فواتير شُحنات الوقود لتشغيل محطة توليد الكهرباء اليتيمة في القطاع، لم تؤثر على سلطة حركة حماس مثلما يأمل، وإنما على مليوني فلسطيني، وأعطت نتائج عكسية، لأنها زادت من حدة معاناتهم، مثلما زادت من غضبهم على السلطة الفلسطينية والرئيس عباس شخصيا، وفي وقت يعيش حالة ضعف غير مسبوقة.
انفتاح حركة "حماس″ المتسارع باتجاه إيران، ودون أن تتأثر علاقتها الوليدة مع مصر، ربما يؤدي إلى خسارة الرئيس عباس وسلطته للضفة الغربية أيضًا، جزئيا أو كليا، لأن هذا التقارب الحمساوي الإيراني يريد تفعيل المقاومة بأشكالها كافة في الضفة، لتكثيف الضغوط على دولة الاحتلال، وإضعاف السلطة، وتخريب التنسيق الأمني، والأخيرة مطلب الغالبية الساحقة من الفلسطينيين.
كان لافتا أن وفد حركة "حماس″ الذي زار طهران تلبية لدعوة من القيادة الإيرانية، للمشاركة في حفل تنصيب الرئيس حسن روحاني كان بقيادة السيد عزت الرشق، وعضوية كل من السادة، أسامة حمدان وصالح العاروري، وزاهر جبارين.
المهم في التركيبة في تقديرنا وجود السيد العاروري، رئيس الجناح العسكري لحركة "حماس″ في الضفة الغربية الذي لم يتردد لحظة في إعلان مسؤوليته عن مقتل 3 إسرائيليين، بعد خطفهم، انتقاما لحرق الشهيد الشاب محمد أبو خضير، وما ترتب على ذلك من شن إسرائيل وجيشها حربا خاسرة في قطاع غزة استمرت 53 يوما خَرجت منها حركة "حماس″ وفصائل المقاومة الأخرى أكثر قوة وصلابة.
الإيرانيون ركزوا أكثر من مرة، في خِطاباتهم الأخيرة، وباستضافتهم لمؤتمر موسع للمقاومة الفلسطينية في طهران في شهر شباط (فبراير) الماضي، على عزمهم إحياء وتكثيف المقاومة في الضفة الغربية والقدس المحتلة، وتحدث عن هذا التوجه صراحة السيد علي خامنئي، ولعل جوهر التقارب وفتح صحفة جديدة، مع حركة "حماس″ سيكون الترجمة العملية له.
لا نَستبعد أن يكون السيد العاروري الذي استقر في الضاحية الجنوبية في بيروت على الأرجح، تحت حماية "حزب الله” بعد خروجه من تركيا وقطر نتيجة ضغوط أمريكية وإسرائيلية، هو رجل المرحلة المقبلة، ورأس الحربة في إحياء المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي لخِبرته الواسعة وعلاقاته الأوسع بكوادر حركة "حماس″ وخلاياها في الداخل الفلسطيني، وجُرأته وشجاعته في اتخاذ القرار، ومُجاهرته بتبنّي خط المقاومة، ورَفض كل أشكال "المرونة” في مواجهة الاحتلال.
استقبال السيد أمير حسين عبد اللهيان مستشار رئيس مجلس الشورى الإيراني لوفد من حركة حماس برئاسة السيد العاروري في السفارة الإيرانية في بيروت، وبث صور هذا اللقاء، كان رسالةً واضحة ليس لدول الاحتلال الإسرائيلي فقط، وإنما إلى السلطة الفلسطينية والرئيس عباس أيضا، تقول مفرداتها أن المقاومة عائدة إلى الضفة الغربية والأراضي المحتلة عام 1948 معا، وبدعم إيراني.
إجراءات الرئيس عباس العقابية لقطاع غزة لعبت دورا لا يمكن التقليل من شأنه في دفع حركة "حماس″ للمصالحة والتنسيق مع "عدوّها” اللدود دحلان، والحصار الذي تفرضه السلطات الإسرائيلية على القطاع، وانتهاكاتها لحرمة المسجد الأقصى، وتسريع إجراءات تهويد القدس، وقتل العملية السلمية وحل الدولتين، وتهافت دول عربية "معتدلة” على التطبيع مع إسرائيل، كلها عوامل تدفع بحركة "حماس″، وربما حركات مقاومة أُخرى نحو "الحاضنة” الإيرانية.
إيران، وبعد انتصار حلفها الوشيك في سورية، وصمود حلفائها في اليمن، وتصاعد نُفوذها في العراق واستعادتها ورقة المقاومة الفلسطينيّة بعد تعزيزها لنظيرتها اللبنانية، تبرز كقوة إقليمية عظمى في المنطقة.
ختاما نقول أن إيران تكسب الرهان، وتجمع الأوراق الرابحة، وتَحصد الثمار، دون أن تخوض أي حروب مُباشرة، بينما "عرب الاعتدال” يخسرون على جميع الجبهات، ومن بينهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
المصدر: الرأي اليوم