عصر ايران - بدأ وزير الخارجية محمد جواد ظريف، يوم الأحد، جولة علي شمال إفريقيا تشمل الجزائر وموريتانيا وتونس سيلتقي فيها برؤساء الدول الثلاثة ووزراء خارجيتها.
وشكلت الجزائر محطة هامة في هذه الزيارة، بالنظر إلي حجم البلدين إيران والجزائر في العالم الإسلامي، وبالنظر إلي طبيعة علاقات الأخوة والصداقة بين البلدين، وكذلك بالنظر إلي تطابق وجهات النظر في الكثير من المسائل السياسية الإقليمية والدولية والاقتصادية.
والعلاقات الإيرانية الجزائرية ليست وليدة اليوم، فهي تمتد إلي أيام إعجاب الإيرانيين بالثورة التحريرية الجزائرية، ولعل هذا الإعجاب كان له الأثر فيما بعد في الثورة الإسلامية الإيرانية.
وكانت للجزائر في عهد الرئيس الراحل هواري بومدين علاقات وطيدة مع إيران، فقد رعت الجزائر التوقيع علي الاتفاق الشهير بين إيران والعراق سنة 1975 والمشهور باتفاقية الجزائر والتي وضعت حدا للخلاف الحدودي بين البلدين.
وبعد قيام الثورة الإسلامية الإيرانية سنة 1979 لقيت الثورة ترحيبا من طرف الجزائر ذات الإرث الثوري.
وبعد قطع العلاقات الدبلوماسية الإيرانية الأميركية سنة 1980 كانت الجزائر راعية المصالح الإيرانية في واشنطن.
وترسخت العلاقات الإيرانية الجزائرية بشكل وثيق في عهد الرئيس الجزائري الحالي عبد العزيز بوتفليقة.
وكانت زيارة الرئيس محمد خاتمي إلي الجزائر في تشرين الأول / أكتوبر 2004، عطفا علي زيارة الرئيس بوتفليقة إلي طهران في تشرين الأول / أكتوبر 2003، نقطة الانعطاف الهامة في توطيد العلاقات بين البلدين وتأكيد تطابق وجهات النظر وتوجهات البلدين علي الصعيد الثنائي أو علي صعيد القضايا الدولية. ولم يكن أدل علي هذا التقارب من وقوف الرئيسين خاتمي وبوتفليقة معا في منتدي حوار الحضارات الذي احتضنته العاصمة الفرنسية باريس في نيسان / أبريل 2005.
وتكثفت الاتصالات والزيارات بين البلدين، فزار وزير الشؤون الخارجية منوشهر متكي الجزائر في آب / أغسطس 2006. كما زارها مسؤول الملف النووي الإيراني علي لاريجاني في حزيران / يونيو 2006. وقد تبادل البلدان العديد من الوفود السياسية والثقافية والمالية. وقد أقامت إيران أول معرض تجاري للصناعة الإيرانية في الجزائر في أيار / مايو 2006.
وأنشأ البلدان لجنة اقتصادية مشتركة عقدت أول اجتماع لها في كانون الأول / يناير 2003 في الجزائر. وانبثق عن هذه اللجنة التي يغطي اهتمامها الكثير من المجالات توقيع عشرين مذكرة تفاهم بين البلدين تشمل العديد من المجالات في الصحة الحيوانية والمالية والتعليم العالي والصناعات الصغيرة والتعاون القضائي وتطوير النشاط الاقتصادي بالمناطق الصناعية والاستثمار المشترك في قطاع البتروكيمياويات.
ولم يختلف الأمر مع الرئيس أحمدي نجاد الذي قال، خلال استقباله وزير الطاقة والمناجم شكيب خليل بصفته مبعوثا للرئيس بوتفليقة في تشرين الثاني / نوفمبر 2006: 'إيران مستعدة لوضع خبراتها في مجال الطاقة النووية تحت تصرف الجزائر'، وهي عبارة توضح بشكل جلي تميز هذه العلاقات بين البلدين.
وتعكس العلاقات الإيرانية الجزائرية في الوقت الراهن تطابق وجهتي النظر بشأن قضايا رئيسية كالقضية الفلسطينية والوضع في سوريا والعدوان علي اليمن، فالجزائر التي رفضت إعطاء مقعد سوريا في الجامعة العربية للمعارضة ورفضت كل أشكال التدخل الأجنبي في الملف السوري ودعت السوريين إلي الجلوس إلي طاولة الحوار، رفضت كذلك محاولة الجامعة العربية تصنيف حزب الله تنظيما إرهابيا، مثلما رفضت من قبل تصنيف 'حماس' بنفس التصنيف.
كما رفضت الجزائر الانضمام إلي التحالف العسكري العربي المسمي 'عاصفة الحزم' للاعتداء علي اليمن. ودعت اليمنيين للجلوس إلي طاولة مفاوضات لا تستثني أي طرف، بما في ذلك أنصارالله باعتبارهم جزء لا يتجزء من التركيبة اليمنية.
علي الصعيد الاقتصادي، ورغم أن العلاقات الاقتصادية لم ترق بعد إلي مستوي العلاقات السياسية المتميزة إلا أن هناك عملا حثيثا ينجز من كلا الطرفين، وزاد انتعاشا ودينامكية إثر زيارة النائب الأول للرئيس الإيراني 'إسحاق جهانغيري' للجزائر نهاية السنة الفارطة.
وتزامنا مع رفع العقوبات ضد طهران علي خلفية ملفها النووي، تسعي الجزائر إلي استغلال عودة إيران إلي التعاملات الدولية من أجل تكثيف علاقاتها، اعتمادا علي العلاقات السياسية الجيدة التي تجمع البلدين، مؤكدة بذلك – حسب بعض المحللين السياسيين- استقلالية مواقفها ووقوفها إلي جانب محور الممانعة الذي يشمل دمشق وطهران وموسكو.
وقد أبدي وزير الصناعة والمناجم الجزائري 'عبد السلام بوشوارب'، خلال زيارته إلي طهران، استعداد بلاده لخلق 'شراكة صناعية فعلية' مع إيران، مما يمكن من رفع الاستثمارات الإيرانية في الجزائر وإنهاء حالة الاعتماد الجزائرية علي المحروقات كمصدر وحيد لاقتصادها الوطني.
وتأمل الجزائر في استقطاب أكبر للاستثمارات الإيرانية عبر إبراز 'الاستقرار الداخلية وقوة الطلب الداخلي وحجم السوق الإقليمية ومؤهلاتها الطبيعية والبشرية وبناها التحتية وموقعها القريب من أوروبا ومن كونها بوابة لإفريقيا، والقوانين الخاصة بالاستثمار'.
ثقافيا، لعبت الدبلوماسية الثقافية دورا جيدا في تعزيز العلاقات الإيرانية الجزائرية، وكان لزيارة وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي رضا صالحي أميري إلي الجزائر في 27 آذار / مارس الماضي أثرا طيبا. وقد أكد صالحي يومها أن 'إيران تولي أهمية خاصة للعلاقات الثقافية مع الجزائر'، وأن الرئيس الإيراني حسن روحاني 'أكد ضرورة توطيد العلاقات الثقافية مع الجزائر وتعميقها، لما لها من تأثير ودعم للعلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين'.
ولعل من أهم ما خرجت به هذه الزيارة اتفاقية التعاون الموقعة بين البلدين في مجال السينما.
ويعرف التواصل الثقافي بين إيران والجزائر حالة تطور مستمرة، بدليل مشاركة إيران في عدة مواعيد ثقافية بالجزائر 'آخرها مشاركتها كضيف شرف في تظاهرة 'قسنطينة عاصمة الثقافة العربية'، ومشاركتها كضيف شرف أيضا في مهرجان السينما المتوسطية بعنابة، حيث تم الاحتفاء بالمخرج الراحل 'عباس كيا رستمي'. كما شاركت إيران في المهرجان الجزائري الدولي للسينما 'أيام الفيلم الملتزم'، وفازت فيه المخرجة 'رخساره قائم مقامي' بجائزتين اثنتين عن فيلمها 'سونيتا'.
بالمقابل أقامت الجزائر أسبوعها الثقافي بطهران، واطلعت الجمهور الإيراني علي العديد من المناحي الفنية والثقافية والفكرية للجزائر.
المصدر: ارنا