عصر إيران - ثمة حالة من التفاؤل صاحبت وصول حسن روحاني إلى رأس السلطة في إيران منتصف عام 2013، خاصة أنه يمثل التيار الإصلاحي، وكونه خليفة لواحد من أشد صقور تيار المحافظين الرئيس السابق أحمدي نجاد، وأصبحت وعود روحاني بانفتاحه على الخارج واستجلاب الاستثمارات الأجنبية وتحسين أوضاع الاقتصاد الإيراني دينا في رقبته.
وحسب ما أُعلن مؤخرًا، فقد فُتح باب الترشيح لانتخابات الرئاسة في إيران المقررة في 19 مايو/أيار المقبل، وهو ما جعل قائمة أعمال روحاني الاقتصادية واحدة من أهم محددات نجاحه في الحصول على ولاية ثانية، خاصة أنه لا يزال يتبنى نفس خطابه الانفتاحي على الخارج، وضرورة إسهام الاستثمارات الأجنبية في الاقتصاد الإيراني، بينما الإعلام الداخلي لإيران يتحدث عما يسمى "الاقتصاد المقاوم".
أربع سنوات إلا أياما معدودة مضت على ولاية روحاني الأولى، فما إنجازات الرجل؟ وما التحديات التي واجهها؟ وما تطلعاته خلال الفترة المقبلة؟ هذا ما سنتناوله بالرصد والتحليل خلال السطور القادمة.
تحديات داخلية وخارجية
بعد مضي عام على تولي روحاني الرئاسة في إيران، أتت أزمة انهيار أسعار النفط في السوق الدولية، لتلقي بتبعات شديدة السلبية على المؤشرات الاقتصادية الكلية لإيران، حيث تعتمد إيران بشكل كبير على العائدات النفطية، وإن كانت الأزمة تمثل تهديدًا خارجيًا، إلا أن الإدارة الرشيدة تفرض أن تتبنى الحكومة سيناريوهات لمواجهتها، خاصة أن طبيعة سوق النفط في تقلبات مستمرة.
وكانت أبرز مؤشرات تأثر الاقتصاد الإيراني سلبيًا بأزمة النفط، انخفاض الناتج المحلي الإجمالي في عام 2014-2015 إلى 415 مليار دولار، مقارنة بـ511.6 مليار دولار عام 2013-2014، الذي وافق العام الأول لروحاني في رئاسة الجمهورية. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يواصل الناتج المحلي الإجمالي لإيران التراجع في عام 2015-2016 ليصل لنحو 374 مليار دولار.
وتشير أحدث بيانات البنك المركزي الإيراني إلى تراجع الفائض في ميزان المدفوعات، بل وتحوله إلى عجز في الشهور الستة الأولى من عام 2016-2017، حيث تظهر البيانات أن فائض ميزان المدفوعات وصل في 2015-2016 إلى 2.2 مليار دولار، بعد أن كان 13.1 مليار دولار في العام الأول لروحاني، كما أظهرت نتائج النصف الأول من عام 2016-2017 تحول الفائض إلى عجز بنحو 7.6 مليارات دولار.
وهو ما يعني أن فائض ميزان المدفوعات لإيران قبل عام 2017، كان مرده تحجيم تعاملات إيران الخارجية في ظل العقوبات الاقتصادية، وارتفاع أسعار النفط في فترة ما قبل يونيو/حزيران 2014.
وثمة تحدٍ كبير يواجه روحاني خلال المرحلة المقبلة، ويتمثل في تحسين البنية الأساسية للمرافق العامة، من طرق وكهرباء وغاز ومياه واتصالات وغيرها؛ فالوضع الحالي كان مقبولًا من قطاع عريض من الشعب الإيراني في إطار التحدي لامتلاك برنامج نووي ومواجهة العداء الأميركي. ووفقا لتقديرات عدد من الخبراء فإن تحديث البنية الأساسية في إيران يستلزم نحو عشر سنوات.
كما أن قبول روحاني الانفتاح على الاقتصاد العالمي، وجذب استثمارات أجنبية، يحتاج إلى بنية معرفية وإصلاحات تشريعية، وجهاز حكومي مؤهل للتعامل مع شركات أجنبية، وكذلك تخفيف وطأة سيطرة الدولة على مقدرات الاقتصاد الإيراني والسماح للقطاع الخاص بمساحات أكبر مما هي عليه الآن، وهنا لا بد من الإشارة إلى عدم قبول الحرس الثوري تلك التنازلات على الصعيد الاقتصادي، وإلا فقدوا سيطرتهم على كثير من الأمور الداخلية.
ولا تقتصر مشكلات الاقتصاد الإيراني على انخفاض أسعار النفط، والانفتاح على الخارج، بل هناك مشكلات يعاني منها المواطن الإيراني بشكل كبير، ومن أبرزها البطالة، حيث تظهر بيانات البنك المركزي الإيراني أن معدل البطالة خلال النصف الأول من عام 2016-2017 وصل إلى 12.7% لمن هم في سن العمل فوق 15 عاما، وتزيد هذه المعدلات لتصل إلى 26.7% لمن هم في سن 15-29 عاما.
وعلى صعيد العقوبات الاقتصادية، لا تزال إيران في عهد روحاني تعاني من عرقلة الولايات المتحدة الأميركية الخطوات التي تتخذها إيران لدمج نظامها المالي والبنكي في النظام العالمي، كما تسعى أميركا لاستمرار الحصار على القطاع النفطي الإيراني، مما أثار تخوف الشركات النفطية العالمية من عدم قبول العديد من البنوك العالمية التحويلات المالية من وإلى إيران.
إنجازات بعهد روحاني
سمح الرفع الجزئي للعقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران عقب الاتفاق النووي مع مجموعة (5+1) لطهران بعقد العديد من الصفقات بشأن تجديد خطوط الطيران، وكذلك تحديث خطوط إنتاجها في قطاع الصناعة، وإبرام العديد من الاتفاقيات الخاصة بالتنقيب عن النفط والغاز الطبيعي، وتحديث البنية الأساسية، خاصة تلك المعنية بإنتاج الكهرباء.
وتظهر بيانات البنك المركزي الإيراني أن معدل التضخم على أساس سنوي في مارس/آذار 2017 بلغ 9%، وإن عُد معدلا مرتفعًا بالمعايير الدولية، فإنه مقارنة بما كان عليه الوضع عند تولي روحاني السلطة فهو إنجاز، حيث نجد أنه انخفض بمعدلات عالية، فقد قُدر في عام 2013-2014 بنحو 34.7%.
كما استطاعت إيران أن تتبنى نهجًا جديدًا في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، إذ انضمت مؤخرًا لاتفاق أوبك بتخفيض سقف الإنتاج، ولم تمارس سلوكًا معهودًا بينها وبين السعودية، وهو مخالفة كل طرف لرغبة الطرف الآخر، وبلا شك فإن موقف إيران بقبول اتفاق خفض سقف الإنتاج، الذي كتب له النجاح حتى الآن، أعطى إيران صورة جديدة في المجتمع الدولي، خاصة لدى الدول النفطية، سواء من داخل أوبك أو خارجها.
تطلعات روحاني الاقتصادية
لا يزال روحاني يراهن كثيرًا على الاندماج في الاقتصاد العالمي، خاصة مع أوروبا، لكن بقيت مسألة مهمة تحول دون هذه التطلعات، وهي ما يتعلق بإحداث ثورة هائلة في الدستور والقوانين المنظمة لعمل الاستثمارات الأجنبية المباشرة في إيران.
وإذا كتب النجاح لروحاني في وجوده بالرئاسة لفترة ثانية، ومر عام 2017 دون عرقلة من أميركا لاتفاق رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران، وتحسنت أسعار النفط، فستكون تطلعات روحاني داخليًا مشروعة لتحسين الأوضاع الاقتصادية، خاصة خلق فرص عمل للشباب، الذين يعدّون دومًا العنصر الداعم للإصلاحيين في البرلمان أو في الرئاسة.
أما على الصعيد الخارجي، فستكون تطلعات روحاني تقوية علاقات إيران الاقتصادية مع الغرب، ولن يكون توجه إيران للغرب خيارًا ذاتيًا بقدر ما هو جزء من فاتورة الاتفاق حول البرنامج النووي، ورفع العقوبات، وسوف تتضاءل تطلعات إيران في منطقة الشرق الأوسط، بعد فشل الوجود الإيراني في كل من سوريا واليمن، ومعاداة دول الخليج، وعدم مد يد العون والمساعدة لدول عربية أخرى.
وتمثل خطوة انضمام إيران لمنظمة التجارة العالمية واحدة من التطلعات التي تسعى إليها إدارة روحاني، وكانت الحكومات السابقة في عهود ما قبل روحاني قد أنجزت العديد من الخطوات بما يمكن من انضمام إيران للمنظمة، خاصة في عام 2009، ولكن اعتراض أميركا -الذي لا يزال قائما- يمثل تحديا أمام تطلع إيران لإنجاز عضوية منظمة التجارة العالمية.
المصدر: الجزيرة