عصر ايران - مع إعلان رجل الدين الإيراني البارز ابراهيم رئيسي ترشحه للانتخابات الرئاسية انقلب المشهد الانتخابي في إيران. دخوله إلى حلبة التنافس على الرئاسة في مواجهة الرئيس حسن روحاني يجعل من الاستحقاق المرتقب في أيار/ مايو المقبل أبعد من مجرد انتخابات رئاسية.
طرد الإيرانيون نحس* العام الفائت في الثالث عشر من الشهر الأول للعام الإيراني الجديد، هكذا أصبحوا جاهزين للخوض في عملية إعادة الترتيب الموسمية للبيت الكبير من خلال الإنتخابات الرئاسية في نهاية الفترة الأولى للرئيس حسن روحاني. هي مناسبة لطرح الثقة في الحكومة والرئيس والبرنامج الذي جاء على أساسه قبل سنوات أربع، وهي مناسبة أيضاً للآخرين ممن يرغبون في اختبار حظوظهم في المنازلة الرئاسية لتحقيق ما يصبون إليه. حتى ماضٍ قريب جداً كان روحاني أكثر المرتاحين لوضعه، صحيح أنّ قوته لم تعد كما كانت في العام 2013، لكن خصومه ما كانوا قد تمكنوا بعد من إنتاج شخصية تزاحمه على دخول المكتب الرئاسي في شارع باستور. لذا لم يكن الرئيس الشيخ قلقاً، ربما كان متوجساً بعض الشيء، لكنه كان يعلم أنه لن يبرح مكتبه قبل نهاية الفترة الثانية.
فجأة ظهر إسم السيد إبراهيم رئيسي كمرشح تتمناه القاعدة الأصولية المبدئية في إيران.. في بداية شباط/ فبراير الفائت لم يكن الأمر سوى أمنية لبعض الشبان المندفعين، وفي نهاية الشهر كان الموضوع يناقش على أعلى المستويات. يقول مصدر قريب من مركز القرار في طهران إن الأمر لم ينته إلى قرار حاسم عندما نوقش في البداية.
يتقدم الرجلان إلى حلبة المنافسة الرئاسية وهما يعلمان أن هذه الإنتخابات تحمل أبعاداً مختلفة عن جولات أخرى سابقة. فالثورة التي قاربت الأربعين فقدت خلال ما سلف من سنوات معظم آبائها المؤسسين،.. وهي اليوم في وضعية إعادة إنتاج لقيادات للمرحلة القادمة. هي عملية تجديد دماء من داخل الثورة وداخل النظام عبر شخصيات شهدت الإطاحة بالشاه وزمن التحول الأول، وهي اليوم تستعد لخوض تجربة جديدة سيكون لها بطبيعة الحال الأثر الكبير على مسار البلاد في السنوات المقبلة. كلاهما جلسا يوماً إلى جانب مؤسس الجمهورية الإمام روح الله الخميني ليكلفه بعمل ما خلال سنوات الثورة الأولى. صحيح أن فارق العمر بين حسن فريدون المشهور بروحاني وبين إبراهيم رئيس السادات المشهور برئيسي، إثني عشر عاماً، إلا أن للرجلين بصمات من زمن الثورة الأول وهذا ما يضعهما في خانة تلامذة الإمام، والتي لم تعد تضم الكثيرين.
روحاني، عضو مجلس الخبراء، حائز مرتبة الإجتهاد، حامل شهادة الدكتوراه، البرلماني، المفاوض، والرئيس، في مواجهة إبراهيم رئيسي، عضو مجلس الخبراء، حائز مرتبة الإجتهاد، الحائز على شهادة الدكتوراه، القانوني المتمرس، وأخيراً "خادم الإمام الرضا" أي المسؤول عن رعاية المكان الأقدس لدى الإيرانيين في بلادهم. هي حقاً مواجهة لا تشبه ما سبقها من مواجهات خلال ما مرّ من انتخابات في إيران تحديداً على صعيد تقارب الفرص بين الرجلين الذين سيكون عليهما وعلى التيارات التي تدعمهما إقناع ما يقارب من نصف الناخبين الإيرانيين ممن يوصفون بالمترددين بالتصويت لأي منهما، والأرجح في مثل هذه الحالة أن لا يكون الحسم النهائي في 19 أيار/ مايو القادم، موعد الدورة الأولى.
في انتخابات الرئاسة هذه ستكون المفاضلة بين رجل دولة ثوري ورجل ثورة إختبر إدارة الدولة، بين أصولي مبدئي يمثّل يمين الثورة وعناوينها الإقليمية وبين أصولي سابق صانع لهوية إعتدالية، متبنٍ لدبلوماسية إصلاحية باتجاهات دولية. هذا ما سيجعل من أهداف الرجلين متباينة، فرئيسي يريد إعادة إحياء الثورة في الدولة، وهذا يتضمن إحياء الخطاب الثوري على كل المستويات، في الداخل وفي العلاقات الخارجية، وهو ما يعني تماهياً إلى حدّ الإنصهار بين السياسة الخارجية للحكومة وتحديات الثورة وتشخيصها للتهديدات في الخارج.
في المقابل يعمل روحاني منذ انتخابه قبل سنوات على السير بالثورة نحو الدولة وتثبيت خطاب هادئ بعيد عن الثورية في السياسة الخارجية، هو يريد أن يقدّم إيران للعالم بكونها جزءاً من المجتمع الدولي لا دولة في مواجهته، وهذا ما يدفع البعض من خصوم إيران أحياناً وحتى أصدقاءها لاتهامها بالإزدواجية بين ما تقول وما تفعل..
*بحسب التقاليد الإيرانية يعتبر اليوم الثالث عشر من بداية العام الإيراني يوماً لطرد النحس فيخرج المواطنون إلى الطبيعة وهو يسمّى "يوم الطبيعة".
المصدر: الميادين نت