عصر إيران - من يتابع التصريحات المتلاحقة التي تصدر هذه الايام عن الرئيس الامريكي دونالد ترامب ونائبه مايك بنس حول "الخطر الايراني” الذي يهدد امريكا وحلفاءها في المنطقة، يعتقد ان الحرب باتت وشيكة جدا، وان صواريخها المجهزة برؤوس ذرية، جاهزة للانطلاق لضرب اهداف في المملكة العربية السعودية ودولة الاحتلال الاسرائيلي.
فاجأنا السيد بنس اليوم عندما "اكد” ان ادارته ستبذل كل جهد ممكن لمنع ايران من امتلاك اسلحة نووية تهدد اسرائيل، ولا نفهم كيف ستملك ايران هذه الاسلحة وهي ملتزمة بإتفاق مع الدول الست العظمي، يحظر عليها تخصيب اليورانيوم لمدة 15 عاما مقبلة؟
السؤال الذي يحيرنا، ويصعب علينا ايجاد اجابة عليه يتعلق بالاسباب والمبرارات، التي تدفع الادارة الامريكية الجديدة لقرع طبوب الحرب، وتشكيل التحالفات العسكرية والسياسية في المنطقة لمواجهة ايران، وهي التي لم يمض عليها في الحكم غير ثلاثة اسابيع فقط، فهل تري هذه الادارة اخطارا لم ترها الادارة السابقة، ومعها كل الدول الاوروبية، التي تفاوضت لاكثر من عامين لتوقيع الاتفاق النووي؟
لا نعتقد ان هناك خطر ايراني، وانما هناك محاولة لاحيائه وتضخيمه من قبل الادارة الحالية، وبتحريض من بنيامين نتنياهو، من اجل قيام "شرق اوسط” جديد علي اسس مختلفة، عنوانه الابرز هو تشكيل حلف جديد يضم الدول العربية الرئيسية، وهي معظم دول الخليج (الفارسي)، علاوة علي مصر والاردن وتركيا، وبما يؤدي الي "تذويب” القضية الفلسطينية، او تخفيضها الي مراتب دنيا علي سلم اولويات المنطقة والعالم.
بنيامين نتنياهو "فيلسوف” هذا الشرق الاوسط الجديد ومنظّره، قال في مقابلة مع محطة تلفزة امريكية (سي ان ان) انه يريد سلام شامل في الشرق الاوسط بين اسرائيل والدول العربية، واضاف بأن دولا عربية كثيرة لم تعد تعتبر اسرائيل عدوا، بل حليفا في مواجهة ايران و”الدولة الاسلامية”.
الرئيس الامريكي ترامب اعلن تبنيه لما سماه بـ "المقاربة الاقليمية” التي يتحدث عنها نتنياهو، واكد سفيره الجديد في تل ابيب ديفيد فريدمان الداعم الاكبر لسياسة الاستيطان الاسرائيلية، "ان العرب والاسرائيليين يوحدهم القلق من ايران.
لان نعرف من هم هؤلاء العرب الذين لا يذوقون طعم النوم بسبب القلق والرعب من ايران، فهل الجزائريون، والمغاربة والمصريون والاردنيون والليبيون والسودانيون، ومعظم السوريين والعراقيين، اي الغالبية الساحقة من العرب يقلقهم فعلا الخطر الايراني، ويرون في اسرائيل المنقذ والمخلّص مثلا؟
لا ننكر مطلقا ان بعض الاسر الحاكمة في الخليج (الفارسي)، وعلي رأسها الاسرة السعودية، تشعر بهذا القلق، وتحاول تصديره الي شعوبها، تماما مثلما شعرت بالقلق نفسه، او اخترعته، من صدام حسين، وقبله الرئيس جمال عبد الناصر، وكانت في ذروة الاطمئنان والسعادة والاسترخاء اثناء وجود الشاه محمد رضا بهلوي الذي كان يتباهي بفارسيته، واحتقاره للعرب وعلاقاته الاستراتيجية باسرائيل.
ترامب وحليفه نتنياهو سيوحدان طرفي المعادلة المذهبية الاسلامية، اي السّنة والشيعة ضدهما، والحلفاء العرب الذين سينضوون تحت شرقهما الاوسطي الجديد الذين يريدان اقامته، مثلما سيوحدان "ارهاب” الطرفين ايضا الذي يمكن ان ينشأ كرد فعل علي هذا التحالف الجديد، الذي لا نعتقد انه يملك اسباب القوة والمنطق التي تعتبر ضرورية لاستمراره ونجاحه في تحقيق اهدافه.
***
ما يجعلنا اكثر يقينا بأن هذا الحلف العربي الاسرائيلي الجديد سيجد مقاومة شرسة، هو عدم ارتكازه علي اسس عادلة لحل القضية الفلسطينية، وطرح بدائل ربما تفجر الدول المرشحة للانضمام اليه، ونقصد هنا كل من مصر والاردن خصيصا.
فالحل المطروح كبديل لحل الدولتين هو ما تردد علي استحياء مؤخرا، وهو اقامة دولة فلسطينية في سيناء لتوسيع قطاع غزة، وضم الضفة الغربية للاردن، ولا نعتقد الشعب المصري الذي يعارض بقوة وبأغلبية ساحقة التنازل عن جزيري "صنافير” و”تيران” المهجورتين في مدخل خليج العقبة للمملكة العربية السعودية سيقبل بهذا الحل، كما ان الشعب الفلسطيني لا يمكن ان يقبل مثل هذه الحلول البديلة.
اما الحديث عن وضع حركة "الاخوان المسلمين” علي قائمة الارهاب من قبل الادارة الامريكية كمكافأة لحلفاء اسرائيل الجدد من العرب، فان هذا سيصب في مصلحة ايران، وسيجعل الحركة تقوي علاقاتها معها، وهي علاقات كانت قوية في السابق.
ان قمة الغباء في رأينا ان يراهن بعض الحكام العرب علي الرئيس ترامب الذي تحاربه اقوي مؤسستين في امريكا، وهما الاعلامية الامنية، وتعملان بشراسة علي تقويض اسس حكمه، علاوة علي التحالف مع نتنياهو الذي يجسد العنصرية الاسرائيلية في ابشع صورها، ويعمل ليل نهار علي تهويد مدينة القدس المحتلة.
هذا التحالف العربي الاسرائيلي الجديد في حال قيامه سيكون قنبلة تفجير للمنطقة، وربما للدول المنضوية تحت لوائه، وهي قنبلة اكثر خطورة من قنابل ايران النووية الوهمية بكثير.. وسيكون لنا اكثر من عودة الي هذا الموضع في الايام المقبلة.
المصدر: رأي اليوم