وكالة اسبوتنيك - نزار بوش - بعد قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سحب جزء أساسي من القوات الروسية من سوريا، جعل البعض يقلق والبعض الآخر من الطرف المعارض الذي يؤيد الجماعات المسلحة يفرح، طبعا القلق له مبرراته والفرح السريع للطرف الآخر له مبرراته، فالكل لا يزال يجهل الخطة الروسية الحقيقية، ولماذا اتخذت روسيا هذه الخطوة.
لا شك أن قلق الشعب السوري بمحله، فهو الذي يعاني الأمرين من إجرام التنظيمات الإرهابية كـ"داعش" و"جبهة النصرة" وغيرهما من الجماعات المسلحة التي تعيث قتلا وخرابا ودمارا على الأراضي السورية. ولكن روسيا لم تقل إنها تخلت عن محاربة الإرهاب، ولم تعلن أنها توقفت عن دعم الجيش السوري في محاربة التنظيمات الإرهابية، ولنفرض أن روسيا سحبت حتى كل قواتها وليس جزءا منها من سوريا، فلا اعتقد أن الأمر يثير قلقا بهذا الحجم، لأن الشعب السوري الذي تمسك بجذوره والجيش السوري الذي حارب الإرهاب والإرهابيين على مدى أربع سنوات ونصف السنة لم يستسلم ولم ينكسر رغم أن القوات الروسية لم تكن متواجدة على أرض المعركة.
ولا بد من التنويه أن روسيا لعبت دورا كبيرا في مؤازرة ودعم الشعب السوري والجيش السوري إن كان عسكريا أو إنسانيا، منذ اللحظات الأولى للحرب على سوريا، ولكن لم ترسل قواتها الجوية الفضائية إلى سوريا إلا بعد أربع سنوات ونصف وتشارك في ضرب الإرهاب بشكل فعلي. أما بالنسبة لقلق الكثيرين من إعلان روسيا سحب بعض قواتها، فأعتقد أن الأمر طبيعي وربما تكون هذه الخطوة ظاهرة إعلامية لا أكثر، حتى لو تم سحب جزء من القوات الروسية التي يكلف بقاؤها ملايين الدولارات، وروسيا ليست بحاجة لبقائها لأن دورها انتهى. عدا ذلك خلال فترة تواجد القوات الروسية، فإن الخبراء الروس دربوا القوات السورية على أسلحة جديدة وتم استلام أسلحة متطورة وتثبيت قاعدة ومركز عمليات للقوات الروسية إلى أجل غير مسمى، فيما التنسيق بين قادة الجيشين السوري والروسي بقي على أعلى المستويات، بالإضافة إلى بقاء القاعدتين الروسيتين الجوية والبحرية مكانهما وتؤديان مهامهما كما في السابق، بالإضافة إلى أن توقيت الإعلان عن بدء المفاوضات السياسية في جنيف يُظهر روسيا كطرفٍ داعم للحل السياسي والسلمي بين السوريين ويسحب البساط من تحت أقدام النظامين السعودي والتركي الداعمين للإرهاب واللذين يريدان التدخل البري في سوريا، وبالتالي تقول روسيا لهما ابحثوا عن غيرنا كمبرر لفشلكم وهزيمتكم في خلق مناطق عازلة أو في التدخل بريا أو حتى جويا في سوريا.
ولا بد من الإشارة أيضا إلى أن القاعدتين الروسيتين البحرية والجوية مؤمنتان برا وبحرا وجوا، وهذا يعني أن لدى روسيا قوات متنوعة وعلى استعداد دائم وبكامل الجهوزية لضرب الإرهاب في أي لحظة. وقد صرح الناطق باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف بأن روسيا سوف تبقى تدعم الجيش السوري في محاربة الإرهاب، وفي نفس الوقت لم تتوان القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة السورية عن التصريح مباشرة بعد إعلان الرئيس بوتين سحب جزء من القوات الروسية المتواجدة في سوريا عن التأكيد على استمرار العمليات القتالية ضد تنظيمي "داعش" و"جبهة النصرة" والتنظيمات الإرهابية الأخرى المرتبطة بهما، بالتعاون مع الأصدقاء والحلفاء وبنفس الوتيرة السابقة حتى القضاء التام على هذه التنظيمات وإعادة الأمن والاستقرار إلى كل شبر من تراب الوطن.
فيما أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن روسيا تدعم أي قرار يتفق عليه السوريون في جنيف، وأن مستقبل سوريا يحدده السوريون فقط، وأيضا نذكر أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قال في 17 ديسمبر/كانون الأول 2015، فيما يتعلق بالعمليات العسكرية الروسية في سوريا، إن بلاده ستدعم "هجوم الجيش السوري حتى نهاية عمليته البرية ضد الإرهاب في سوريا"، مضيفا "نحن لن نكون سوريين أكثر من السوريين أنفسهم، سندعمهم حتى بدء العملية السياسية والتفاوض".
ولا بد من التطرق إلى نفي الكرملين أن يكون قرار سحب القوات الروسية الأساسية من سوريا يستهدف ممارسة الضغط على الرئيس السوري بشار الأسد، فقد أكد الناطق باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف أن الرئيس الروسي لم يناقش هذا القرار مع نظرائه الدوليين.
وقال دميتري بيسكوف ردا على سؤال حول ما إذا كان قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يشير إلى عدم ارتياح موسكو لموقف الرئيس السوري: "لا ليس الأمر هكذا".
وأردف قائلا:
"إنه قرار اتخذه الرئيس الروسي والقائد العام للقوات المسلحة الروسية، اعتمادا على نتائج عمل القوات الروسية في سوريا".
وأوضح أن بوتين أخذ تلك النتائج بعين الاعتبار وتوصل إلى استنتاج مفاده أنه تم تحقيق المهمات الأساسية المطروحة بسوريا.
وشدد بيسكوف قائلا:
"لم يكن هذا الموضوع مطروحا خلال المحادثات مع الزعماء الأجانب، بل هو قرار اتخذه الرئيس الروسي لوحده".
وأكد أن قسما من العسكريين الروس سيبقون في قاعدتي حميميم وطرطوس، لكنه نصح الصحفيين بالتوجه إلى وزارة الدفاع الروسية، ونصح الصحفيين أن يتوجهوا بأسئلتهم المتعلقة بمستقبل برنامج المستشارين العسكريين الروس في سوريا ومنظومة "إس-400" المنشورة في قاعدة حميميم الجوية.
ومن أجل تبديد كل الشكوك بخطوة الكرملين سحب جزء من القوات الروسية من سوريا على أنها توقيف الضربات الروسية ضد الإرهابيين في سوريا، أعلنت هيئة الأمن الفدرالية الروسية أن موسكو لن تخفف، بل ستعزز مكافحتها للإرهاب، بعد سحب قواتها الأساسية من سوريا.
وقد قال رئيس هيئة الأمن الفدرالية الروسية ألكسندر بورتنيكوف في حديث لوكالة "تاس" الروسية، الثلاثاء 15 مارس/آذار، "نحن لن نخفف الكفاح ضد الإرهاب بل سنعززه، وسنواصل مكافحة الإرهاب بأنفسنا، وكذلك سنعزز هذا الكفاح بالتعاون مع شركائنا ".
وأكد أن موسكو ستكون متمسكة بأهدافها في هذا المجال بالكامل، لأن "الإرهاب قضية أساسية لا تهمنا نحن فقط، بل والمجتمع الدولي بأكمله".
دائما يبقى في كواليس السياسيين أمور كثيرة خفية عن أعين ومسامع المحللين السياسيين والمنظرين، والشهور القادمة ربما تكون مليئة بالمفاجآت.