عصر ايران - يدخل الاتفاق النووي الموقع بين إيران والقوى الكبرى في العام 2015 فترة حاسمة، حيث من المقرر أن تنتهي مهلة منحها ترامب للأطراف الأوروبية الموقعة لإدخال تعديلات على الاتفاق في 12 أيار المقبل، ويعلن قراره إما بالانسحاب أو بالعمل على تعديل بنوده.
في 12 كانون الثاني، وجه ترامب إنذاراً لبريطانيا وفرنسا وألمانيا، بأن عليها الاتفاق على إصلاح العيوب الجسيمة في الاتفاق النووي مع إيران، وإلا فإنه سيرفض تمديد تخفيف العقوبات الأميركية. وتبدي أميركا مخاوف تجاه الاتفاق لأنه لا يتطرق إلى برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية، وسلوك إيران في منطقة الشرق الأوسط، إضافة إلى اعتراض ترامب على فقرات في الاتفاق تقر بانتهاء العمل بالقيود على برنامج إيران النووي بعد عشر سنوات.
وزادت الإدارة الأميركية مطلب حصول الوكالة الدولية للطاقة الذرية على حرية دخول جميع المواقع التي تحتاجها، بما في ذلك المواقع العسكرية. لكن حكومات الاتحاد الأوروبي تبدي تأييدا أكبر لفكرة فرض عقوبات جديدة على إيران لا تتعلق بالبرنامج النووي، وهي فكرة طرحتها بريطانيا وفرنسا وألمانيا كسبيل لثني ترامب عن التخلي عن الاتفاق، وتهدف إلى تحجيم برنامج إيران الباليستي - الصاروخي، ودورها في الشرق الأوسط، إضافة إلى انتهاكات حقوق الإنسان، في إطار مساعٍ لإقناع الإدارة الأميركية بالحفاظ على الاتفاق النووي.
وثمة توقعات بأن الرئيس ترامب لن يمدد الاتفاق النووي مع إيران، إلا في حال اتفاق الأوروبيين على التعديلات، ولكن يبدو ذلك مستبعدا، لأن الأوروبيين يريدون الحفاظ على الاتفاق، إلا أنهم يستصعبون التوصل الى موقف موحد حول التعديلات. كما ان ثمة تبايناً في موقف الجمهوريين في الكونغرس الأميركي حيال موقف ترامب الانسحاب من الاتفاقية، بين معارض ومؤيد:
المعارضون يعتبرون أن الانسحاب من الاتفاقية فكرة سيئة لأنها صفقة متعددة الأطراف، ولأنه سيؤدي إلى تسريع إيران لعجلة تطوير سلاح نووي. كما أن هذه الخطوة ستبعد حلفاء الولايات المتحدة الرئيسيين، وتجعل من الصعب على ترامب التفاوض على صفقة نووية مع كوريا الشمالية، حيث سيكون لديها سبب للاعتقاد بأن الولايات المتحدة لن تلتزم بالشروط بعد الاتفاق. واقترح هؤلاء بدلا من الانسحاب من الاتفاقية التفاوض على اتفاقية أخرى تشمل الصواريخ الباليستية.
أما المؤيدون للانسحاب، فيعتبرون أن الصفقة الحالية لا تتعامل مع الدعم الإيراني لما يسمونه "الجماعات الإرهابية" ولا برنامج الصواريخ الباليستية، بل تتعامل فقط مع البرنامج النووي. لذلك هم يؤيدون إنهاء الاتفاقية النووية لأنها تعطي "إيران الشيعية" أفضلية على خصومها من الدول السنيّة في المنطقة، والذين هم حلفاء لأميركا.
وفي حين تضغط واشنطن ضد الاتفاق النووي، تتوسع المعارضة الأوروبية، استنادًا الى النقاط التالية:
- أن المساس بالاتفاق النووي غير وارد، ولكن يمكن التحرك في محيطه، وهامش الخيارات واسع، مع امتلاك الدول الأوروبية كل أنظمة العقوبات الضرورية، ولكن ينبغي عدم ارتكاب خطأ رئيسي يتمثل في خسارة إيران.
- أن انسحاب الولايات المتحدة ستكون له عواقب كارثية، وسيضع الاتفاق في خطر كبير، وقد يدفع الإيرانيين إلى إلغائه، وإطلاق سباق تسلح نووي في المنطقة.
- أن تقويض الاتفاق يمكن أن يؤدي إلى توتر في العلاقات عبر الأطلسي، ويدفع أوروبا إلى التقارب الإجباري مع الصينيين والروس، في محاولة للإبقاء على الاتفاق.
- أن الانسحاب من الصفقة سيلحق ضررا كبيرا بصورة الغرب في العالم، وسيقلل من قيمة كل الوعود والتهديدات التي تصدرها هذه الدول مستقبلا، وسيقوض كذلك نظام تفتيش ومراقبة البرنامج النووي الإيراني، ما سيمثل بدوره مصدرا جديدا للصراع في الشرق الأوسط وخارجه.
أما في الكيان الاسرائيلي، فقد حدد موقفه من الملف النووي الإيراني رئيس وزرائه بنيامين نتنياهو في مؤتمر صحفي ادعى فيه عن أدلة بشأن برنامج سري نووي لدى إيران، وقدم أمثلة أخرى عن مشروع "آماد".
في المقابل وإزاء الاندفاعة الأميركية والتخبط الأوروبي، واصلت روسيا حملة قوية على البلدان الغربية محذرة من التداعيات الكارثية للإخلال بالاتفاق النووي مع طهران.
فيما بقيت إيران مصرة على رفض إجراء أي مفاوضات جديدة بشأن الاتفاق المبرم. وأعلنت عن أن نص الاتفاق النووي الحالي، والمعروف باسم "خطة العمل الشاملة المشتركة"، لا يمكن أن يخضع للتغيير ولا حتى بكلمة واحدة.
في الواقع، إن المناقشات الجارية اليوم بين الدول الأوروبية وإيران ليست أقل تعقيدا مما شهدته مفاوضات الاتفاق النووي التي استغرقت سنوات، فالدول الثلاث: فرنسا وبريطانيا وألمانيا الواقعة بين المطرقة الأميركية والسندان الإيراني تعاني من مشكلة إضافية، ذلك أن رغبتها في التوصل إلى تفاهم أوروبي بشأن فرض عقوبات جديدة على طهران تصطدم بالانقسامات الأوروبية العميقة. وتعود الصعوبة لكون قرارات فرض عقوبات جماعية على أي جهة تتطلب إجماع الأعضاء الـ 28 .
وفيما تسعى العديد من الدول الأوروبية إلى تعزيز علاقاتها التجارية والاقتصادية مع طهران، فإن اللجوء إلى العقوبات سيحرم الدول المتبنية لها من الولوج إلى السوق الإيرانية.
باختصار، هناك سحابة من الغموض تخيم على مصير الاتفاق النووي الإيراني، خصوصا مع اقتراب الموعد النهائي في 12 أيار المقبل الذي حدده الرئيس الأميركي دونالد ترامب للبقاء في الاتفاقية أو الخروج منها، فالمواقف الأوروبية، وعلى الرغم من أنها بدت ملتبسة، فإنها تتقاطع جميعها عند تجنيب الاتفاق الانهيار، ومحاولة كسب موقف ترامب نحو مزيد من التفاوض والتريث، بما يفسح المجال أمام تدارس الخيارات البديلة. رغبة أوروبا في حماية الاتفاق تنبع من حسابات اقتصادية وسياسية، ومنها الخوف من أن يؤدي تمزيق الاتفاق إلى زيادة التوترات الإقليمية وإطلاق العنان لقدرات إيران النووية.