عصر إيران - رأى اليوم - التعبير الدارج هذه الأيام على ألسنة القادة الإيرانيين والإسرائيليين هو أن “الإصبع على الزناد”، حيث تتصاعد حدة التوقعات وتتسارع حول احتمال نشوب حرب وشيكة بين الجانبين، سواء محدودة على الأراضي السورية، أو شاملة على أربع جبهات في لبنان وسورية وإيران وفلسطين المحتلة.
العميد حسين سلامي، نائب قائد الحرس الثوري الإيراني وجه تحذيرا هو الأخطر من نوعه حتى الآن إلى الإسرائيليين عندما قال في خطبة ألقاها أول أمس في صلاة الجمعة بمسجد طهران المركزي “لا تثقوا بقواعدكم وقدراتكم العسكرية، الصواريخ جاهزة للانطلاق، وفي أي لحظة تقدمون على أي هجوم ضدنا.. تعلمنا أسلوب الانتصار على الأعداء في أي مكان، وإسرائيل دولة لا عمق ولا ارتكاز، فلا تعقدوا الآمال على أمريكا وبريطانيا فلن يبقى لكم أثر عندما يصلون لإنقاذكم”.
أما اللواء عبد الرحيم موسوي، قائد الجيش الإيراني، فقد تنبأ بأن عمر "إسرائيل" المتبقي لا يزيد عن 25 عاما، أي أن زوالها سيتم في غضون هذه السنوات، وهذا أول تصريح يصدر عن مسؤول عسكري إيراني بهذه الرتبة العالية منذ أن هدد الرئيس السابق أحمدي نجاد بإزالة "اسرائيل" عن الخريطة، وتعرض لانتقادات عديدة بسببه داخليا وخارجيا.
***
الموضوع المهيمن هذه الأيام على برامج التلفزة وافتتاحيات الصحف الكبرى في "إسرائيل"، ليس حول احتمالات اندلاع الحرب، فهذا أمر محسوم وهناك قناعة راسخة بأن الحرب حتمية، لكن النقاش يتركز حول مكانها وموعدها، ونتائجها ومن أين ستأتي الشرارة، أو الغارة الأولى، التي ستشعل فتيلها.
الكاتب الأمريكي توماس فريدمان راهن بأن الحرب القادمة ستكون إيرانية إسرائيلية، وجاء رهانه هذا أثناء زيارته لتل أبيب ولقاءاته مع كبار القادة العسكريين فيها، أما غادي أيزنكوف، رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي فأكد أنها ستكون قبل نهاية هذا العام، أما صحيفة “التايمز” البريطانية قالت أنها ستعيد رسم خريطة “الشرق الأوسط”.
إفيغدور ليبرمان، وزير الأمن الإسرائيلي، استشعر حالة القلق والرعب السائدة حاليا في فلسطين المحتلة، وسارع بالتحرك لطمأنة الرأي العام الإسرائيلي بعد تصريحات قائد الجيش الإيراني، عندما قال، أي ليبرمان، أن جيشه جاهز للحرب على عدة جبهات، وحذر إيران بعدم اختباره.
السؤال الكبير المطروح هذه الأيام هو حول كيفية اندلاع هذه الحرب، ومن هي الجهة التي ستقدم على الضربة الأولى: إيران أم "إسرائيل"؟
هناك عدة سيناريوهات محتملة في هذا المضمار حسب ما يمكن قراءته من بين سطور التهديدات والحوارات الدائرة في وسائل الإعلام الإيرانية والإسرائيلية، ويشارك فيها مسؤولون عسكريون، حاليين كانوا أو سابقين:
ـ السيناريو الأول: أن تقدم الطائرات الإسرائيلية على شن غارات صاروخية على أحد المواقع العسكرية الإيرانية في سورية، فيأتي الرد الإيراني الانتقامي المزلزل، سواء من سورية أو لبنان (حزب الله) كمرحلة أولى.
ـ السيناريو الثاني: أن يبدأ الجيش الإسرائيلي حربا شاملة على المواقع العسكرية الإيرانية لتدميرها كليا لمنع أي تمركز إيراني شامل يصعب التصدي له، والقضاء عليه لاحقا، لأن القيادة الإسرائيلية تملك اعتقادا راسخا بأن الضربات الصاروخية المحدودة على أهداف إيرانية مثل الهجوم الذي استهدف قاعدة “تيفور” الجوية لم تعد مجدية.
ـ السيناريو الثالث: أن تقدم إيران على عملية محدودة للانتقام لاستشهاد سبعة من قادتها العسكريين في الغارة الإسرائيلية الأخيرة على قاعدة “التيفور”، سواء بالهجوم على أهداف في العمق الإسرائيلي أو في الخارج، أو توعز لحزب الله بتنفيذ هذه المهمة.
من الصعب تفضيل أحد السيناريوهات على الآخر، وما يمكن قوله أن من غير المتوقع حدوث ضربات عسكرية من أي من الجهتين، أي إيران وإسرائيل، قبل 12 أيار (مايو) المقبل، موعد مراجعة الرئيس دونالد ترامب الدورية للاتفاق الإيراني، حيث تؤكد جميع التسريبات أنه سينسحب منه.
حديث العميد حسين سلامي، وفي خطبة الجمعة، الذي قال فيه أن الصواريخ جاهزة للانطلاق والإصبع على الزناد، وأن الضربة "لإسرائيل" ستكون ساحقة، يذكرنا بالتهديدات التي أطلقها السيد حسن نصر الله زعيم “حزب الله” قبل أربعة أشهر، عندما نصح فيها الإسرائيليين بالهروب من فلسطين المحتلة مبكرا، لأنه إذا اندلعت الحرب سيكونوا وقودها، ولن يكون لديهم الوقت للنجاة، فالعميد سلامي قال للإسرائيليين أنه عندما تأتي أمريكا وبريطانيا لنجدتهم ستكون "إسرائيل" انتهت.
***
التهديدات الإيرانية التي ترجح احتمال حسم الحرب سريعا تنطوي على الكثير من المصداقية، فجميع الحروب التي خاضتها إيران أو حلفاؤها وأذرعتها العسكرية طوال العشرين عاما الماضية انتهت بالانتصار، سواء في سورية أو لبنان أو العراق، بينما لم تخض "إسرائيل" أي حرب في الفترة الزمنية نفسها إلا وخسرتها، سواء في لبنان أو قطاع غزة، وأخيرا في سورية حيث جرى إسقاط طائرة لها ومعظم الصواريخ التي أطلقتها طائراتها على قاعدة “التيفور”.
سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي، أعلن أن بلاده لم تعد ملتزمة أخلاقيا بعدم تزويد سورية بصواريخ “إس 300” بعد العدوان الثلاثي، وهذا يعني أن استخدام هذه الصواريخ، أو إعطاء الضوء الأخضر الروسي باستخدامها، لأنها موجودة فعلا على الأرض السورية، ربما يكون “المفاجأة” القادمة.
لا يخامرنا أدنى شك بأن الحرب قادمة، سواء كانت شرارتها استباقية إسرائيلية، أو انتقامية إيرانية، والحرب الكلامية التي تزداد سخونة هذه الأيام بين الطرفين، قد تكون المقدمة، فالوضع الحالي لا يمكن أن يستمر، و"إسرائيل" تجد نفسها تختنق من جراء التفاف الأذرعة الإيرانية العسكرية حول عنقها من كل الجهات، ومن غير المستبعد أن تقدم على “حماقة” لن تخرج منها إلا شبه مدمرة، إن لم يكن مدمرة بالكامل.. وما علينا إلا الانتظار، ولكن من موقع التفاؤل بالنتائج هذه المرة.. والله أعلم.