عصر إيران - الوفاق - تحدث حسین موسویان، الدبلوماسی الایرانی السابق عن التصریحات التی أطلقها ولی العهد السعودی محمد بن سلمان مؤخراً، حیث أشار الى تشکیل مثلث تل أبیب-واشنطن-الریاض ضد ایران، مؤکداً ان إحدى الاستراتیجیات التی رسمتها تل أبیب تعتمد إحلال أجواء الخوف والرعب من ایران لدى الرأی العام العالمی، حیث ان تلک البلدان تعمل معاً وبشکل منتظم ومتواصل لتفاقم تلک الأجواء فی مواقفها السیاسیة.
وقال موسویان، السفیر الایرانی الأسبق لدى ألمانیا والعضو الأسبق فی فریق المفاوضات النوویة، بأن تصریحات بن سلمان حول احتمال نشوب حرب مع ایران خلال الأعوام الـ10 إلى 15 المقبلة، تهدف لصرف البلدان الأجنبیة عن الاستثمار طویل الأمد فی ایران عبر الإیحاء بانعدام الأمن فیها.
وفی هذا السیاق، قال موسویان: حذرت فی العدید من المقالات والمقابلات ومنذ بدایة تولی ترامب شؤون البیت الأبیض المسؤولین الایرانیین من تشکیل هذا المثلث، حیث تضع تل أبیب المخطط وتموله السعودیة وتمارس واشنطن الضغوط والقوة. وقد قال البعض فی الداخل بأننی أهول الأمور وأعطی السعودیة و(اسرائیل) وأمریکا حجماً أکبر مما هی علیه، لکن فی النهایة نرى ان هذا المثلث لم یتشکل فحسب، بل بدأ أیضاً بممارسات واسعة مناهضة لإیران، وهو أمر جلی للکل هدفه منع التعاون الاقتصادی والسیاسی والأمنی الثنائی والاقلیمی والدولی مع ایران، وفرض العزلة على طهران اقلیمیاً ودولیاً، والإخلال بالأوضاع الاقتصادیة للجمهوریة الاسلامیة، وممارسة الضغوط الدولیة والاقلیمیة والداخلیة تمهیداً لإنهیار ایران ومواجهة مصیر مشابه لأفغانستان ولیبیا.
وبشأن الخلافات بین ایران والسعودیة فی الیمن وسوریا فی ضوء إعلان طهران الدائم عن استعدادها لحل أزمات المنطقة سیاسیاً، وعدم توفر مناخات الحوار السیاسی بین ایران والسعودیة والعقبات أمام الحوار بینهما، قال موسویان: فی العام 2011، قال أحد الرؤساء السابقین للموساد (الإسرائیلی)، خلال اجتماع فی أوروبا، بأنه «صحیح ان بلدان (5+1) تتفاوض مع ایران حول الموضوع النووی، لکن مصیر أی إتفاق مع ایران ستحدده تل أبیب نفسها». وأنتم شاهدتم کیف وقف نتنیاهو بوجه الإتفاق النووی منذ البدایة رغم ان أوباما أوقفه عند حده، وأبرم الإتفاق. ولکن مع ذهاب أوباما ومجیء ترامب الى سدة الرئاسة، وجد نتنیاهو الفرصة بشأن مصیر الإتفاق، فتمکن لحد الآن من إیقاع الضرر بهذا الإتفاق، ولا ولن یرتاح له بال حتى یفشله (الإتفاق) نهائیاً.
وأضاف موسویان: کما ان (اسرائیل) بنفس الوقت تلعب دورها فیما یتعلق بالعلاقات العربیة-الایرانیة، فهی الیوم تدیر السیاسات الاقلیمیة السعودیة ضد ایران. من جهتها، أجرت ایران مؤخراً مباحثات حول الیمن مع أربع دول أوروبیة (ألمانیا وفرنسا وبریطانیا وایطالیا)، وکان لهذه البلدان نظرة ایجابیة تجاه حسن نوایا ایران فی هذه المباحثات، واطلعت واشنطن على هذه النظرة.
من جانبه، التقى محمد بن سلمان، خلال زیارته الأخیرة الى واشنطن، بفریق کبیر من الساسة الأمریکان من ضمنهم عدد من أعضاء إدارة أوباما. وقد حث أحد وزراء أوباما ولی العهد السعودی على التحاور والتعاون مع ایران بشأن الیمن، لکن الأخیر أجاب قائلاً: «ستحصل فی المستقبل القریب تغییرات فی الیمن لصالح السعودیة ولضرر ایران تماماً، وانه لیس ثمة حاجة للتحاور مع طهران». ان ما یعتبره محمد بن سلمان بأن ایران وترکیا وجماعات المقاومة تشکل «محور الشر»، ویعترف رسمیاً بـ(اسرائیل) ویوظف کافة قدراته المالیة والسیاسیة ضد ایران ویعتبرها أکثر سوءاً من النازیة ویرفع الشعارات المناهضة لها، کل ذلک ینطلق من العلاقات والإتفاقیات السریة بین الریاض والأجهزة المخابراتیة (الاسرائیلیة). الحقیقة الیوم هی ان تل أبیب لا تترصد فقط العلاقات بین واشنطن وطهران، بل تترصد العلاقات بین الریاض وطهران أیضاً وتعمل لتصعید العداء العربی-الغربی ضد ایران، وهذا أهم عائق أمام تطبیع روابط ایران والسعودیة.
وحول التوتر الحاصل بین ایران والسعودیة وفیما اذا کان الجانبان یتجهان حقاً نحو حرب شاملة أو ان الهدف هو احتواء ایران فقط وإعادتها الى مرحلة ما قبل الإتفاق، أعرب الدبلوماسی الایرانی الأسبق عن اعتقاده بأن ترامب لا یرغب بالحرب مع ایران، کما ان (اسرائیل) والسعودیة لا تجرؤان على شنها، ولکن مخطط تل أبیب یستند على (الحرب الباردة والناعمة مع ایران)، وتقوم بتنفیذها حالیاً وستعمل على توسیعها من خلال رفع شعارات الحرب ضد ایران، وکل ذلک بهدف إعادة الظروف الدولیة الى ما قبل الإتفاق النووی والتی کانت مناهضة لإیران، لکن أکثر ما یثیر القلق بهذا الشأن هو سیاسات جون بولتون مستشار الأمن القومی وبومبیو وزیر الخارجیة الأمریکیة الجدیدین اللذین یبحثان عن أبسط ذریعة لإثارة الحرب ضد ایران، بالرغم من ان إقناع الرأی العام فی الداخل الامریکی وعلى الصعید الدولی سیکون صعباً للغایة.
وحول الاقتراح بشأن تأسیس آلیة للأمن الجماعی فی منطقة الشرق الاوسط وأهم العوائق أمامه، قال موسویان: ان اهم عائق هو مثلث تل أبیب-واشنطن-الریاض، إذ ان إقامة نظام للتعاون الاقلیمی بین الدول الاسلامیة مثل ایران والسعودیة یمثل خطاً أحمر بـ(اسرائیل).
وحول التقارب السعودی-الامریکی، ومطالبات ترامب من السعودیة بشأن دفع تکالیف بقاء قواته فی المنطقة واعتقاد الکثیرین بأن هدف ترامب فقط هو استحلاب السعودیة، أشار موسویان الى تصریحات ترامب فی الأسابیع الأولى من ولایته الرئاسیة عندما أعلن انه یسعى الى استقطاب تریلیونی دولار من ثروات دول الخلیج الفارسی للاقتصاد الامریکی، ونلاحظ بأنه أکد على هذه الستراتیجیة وجذب بن سلمان معه الى مستنقع سیاساته الاقلیمیة رغم مواجهته تحدیات فی الداخل الامریکی نفسه، حیث وضع ولی العهد السعودی خزینة بلاده تحت تصرف تل أبیب والبیت الأبیض. ان ترامب یسعى خلال ولایته الرئاسیة الأولى استحلاب السعودیة بما لا یقل عن تریلیون دولار من خلال مبیعات السلاح أو إنجاز مشاریع فی الداخل الأمریکی أو دفع نفقات التواجد العسکری الأمریکی فی المنطقة وغیر ذلک.
وحول أسباب اعتراض السعودیة على الإتفاق النووی، أکد السفیر الایرانی الأسبق لدى ألمانیا ان الإتفاق النووی کالکائن الحی له جسد وروح. وجسد الإتفاق هو البنود التی نص علیها هذا الإتفاق مثل الاعتراف بحقوق ایران النوویة، وتذلیل العقوبات النوویة، والخروج من البند السابع لمیثاق مجلس الأمن الدولی. بینما روح الإتفاق توفر الأرضیة اللازمة لتعزیز التعامل والتعاطی الدولیین مع ایران. وفی حال تحقق ذلک وتعززت المکانة الاقلیمیة والدولیة لایران، فان ذلک سیحدث تطوراً وتحولاً کبیراً لإیران، وان روح الاتفاق هی المشکلة الحقیقیة للمحافظین الجدد فی أمریکا والصهاینة والسعودیة وحلفائهم.
وفیما اذا کانت هناک آفاق واضحة حول انتهاء التوتر فی منطقة الشرق الأوسط بصورة عامة وبین ایران والسعودیة بصورة خاصة، قال موسویان: لمواجهة التهدیدات الاقلیمیة والدولیة، ینبغی قبل کل شیء تعزیز التلاحم والوحدة الوطنیة فی الداخل، بالاضافة الى کسب رضى المواطن والذی - مع الأسف - لا نشاهده حالیاً بسبب الأوضاع الاقتصادیة وتشدید الخلافات السیاسیة فی الداخل. وان أهم ما قد یحدث فی المستقبل القریب هو قرار ترامب حول الإتفاق النووی الذی سوف یصدر خلال الأسابیع القادمة. وقد اطلعت على آراء بعض الخبراء فی أمریکا بهذا الخصوص وغالبیتهم یعتقد بأن ترامب سوف یتخلى عن الإتفاق النووی. وفی حال حدوث ذلک، فان رد فعل ایران فی تحدید مستوى الأزمة المحتملة سیکون مصیریاً، لأن هدف محور تل أبیب-الریاض من تخلی ترامب عن الإتفاق هو الإخلال بالأوضاع فی ایران داخلیاً ودولیاً بصورة یصعب معالجتها. ولذلک ینبغی أن تتحلى ایران بالوعی التام وتتعامل بحکمة لئلا تترک ذریعة للأعداء. ان تل أبیب تعمل جاهدة من أجل القضاء على الإتفاق النووی على ید ترامب قبل إنتخابات الکونغرس فی أکتوبر القادم بما لا یمکن التراجع عنه، لأن تل أبیب تعتقد بأن الدیمقراطیین سوف یفوزون فی هذه الانتخابات، وبالتالی فان المعادلات السیاسیة سوف تتغیر فی الداخل الأمریکی، بالإضافة الى ذلک ینبغی على ایران أن تغیر من قواعد اللعبة على المستویین الاقلیمی والدولی، وقد أوجد الإتفاق النووی مثل هذه الإمکانیة لإیران على مستوى السیاسة الخارجیة، وعلى أصحاب القرار فی ایران فی الوقت الحالی استخدام الطاقات الکامنة للإتفاق النووی على الصعیدین الاقلیمی والدولی وتعدیل قواعد اللعبة لإحباط کافة مخططات أعداء ایران.