عصر إيران - «الاتفاق النووی بین ایران والدول الست الکبرى، یمثل مکسبا صرفا ومهما للتحقق النووی، وإذا ما انهار الاتفاق ستکون خسارة فادحة للتحقق النووی وللاتفاقات متعددة الأطراف». «المحققون الدولیون تمکنوا من دخول جمیع المواقع التی کنا بحاجة لزیارتها فی ایران، وأن إیران تنفذ التزاماتها بموجب الاتفاق النووی». هذا التصریح الواضح والشفاف هو لمدیر الوکالة الدولیة للطاقة الذریة التابعة للأمم المتحدة یوکیا امانو، جاء فی اطار خطاب ألقاه یوم الاثنین الخامس من شهر آذار/مارس الحالی، أمام اجتماع لمجلس محافظی الوکالة الدولیة للطاقة الذریة، حذر فیه من مخاطر انهیار الاتفاق النووی مع ایران.
المعروف ان الوکالة الدولیة للطاقة الذریة التابعة للأمم المتحدة هی الجهة الدولیة الوحیدة المخولة بالاضطلاع بمهمة الرقابة والتفتیش والتحقیق فی الدول التی لدیها منشآت نوویة، وهی بالتالی الجهة التی یمکن ان تؤید ما اذا کانت ایران ملتزمة بالاتفاق النووی ام لا.کان واضحا ان المخاوف التی عبر عنها امانو فی خطابه جاءت على خلفیة تهدیدات الرئیس الامریکی دونالد ترامب المتکررة بالانسحاب من الاتفاق النووی فی حال لم یقدم الکونغرس الامیرکی والاوروبیون على «اصلاح» الاتفاق، عبر ادراج قضایا مثل البرنامج الصاروخی الدفاعی الایرانی والسیاسة الاقلیمیة لایران وقضایا حقوق الانسان فی الاتفاق.
الملفت ان خطاب امانو، الذی اصدرت وکالته عشرة تقاریر حول ایران منذ عام 2015 ایدت جمیعها التزام طهران بالاتفاق النووی، تزامن مع زیارة وزیر الخارجیة الفرنسی جان ایف لودریان الى طهران، وهذا التزامن یبعث برسالة الى من یهمهم الامر، وفی مقدمتهم الاوروبیین، مفادها ان اضرار انهیار الاتفاق النووی ستکون جسیمة لیس على صعید العلاقة مع ایران، بل على صعید التحقق النووی والاتفاقیات الدولیة المتعددة الاطراف مستقبلا. وزیر الخارجیة الفرنسی لودریان کرر عدة مرات، قبل زیارته طهران، مقولة «المخاوف» من البرنامج الصاروخی لإیران ومن دورها فی الاقلیم، داعیا ایران الى «تبدید» هذه المخاوف والا ستواجه عقوبات جدیدة.
المسؤولون الفرنسیون ومنهم لودریان برروا تکرار مقولة «المخاوف» الامریکیة وضرورة تعامل ایران معها بجدیة، بالحیلولة دون انسحاب امریکا من الاتفاق وانهیاره بالکامل، بینما لا یحتاج المرء للکثیر من الذکاء لیعرف ان «تصحیح» الاتفاق النووی او «سد ثغراته» على طریقة ترامب تعنی نسفه من الاساس، لأن الاتفاق لا یمکن التفاوض حوله مرة اخرى، کما لا یمکن دس قضایا دفاعیة غیر نوویة وقضایا سیاسیة واجتماعیة لا یمکن تحدید ای اطار او سقف لها، داخل الاتفاق النووی، وربط مصیر الاتفاق عنوة بهذه القضایا.ایران کانت واضحة عندما وصفت «مخاوف» فرنسا، وهی «مخاوف» ترامب بالأساس، على انها «اوهام»، وأرسلت فی ذات الیوم الذی زار فیه لودریان طهران، رسائل الى ترامب وکل من یعتقد ان بالإمکان ابتزاز ایران بالاتفاق النووی، منها ما جاء على لسان المتحدث باسم منظمة الطاقة الذریة الإیرانیة بهروز کمالوندی، الذی اکد ان ایران تمتلک أجهزة طرد مرکزی تعمل أسرع بـ24 ضعفا مقارنة بالأجهزة السابقة، وفی حال انسحاب أمریکا من الاتفاق فإن بإمکان إیران استئناف تخصیب الیورانیوم بنسبة 20 بالمئة فی أقل من 48 ساعة.الایرانیون الذین لم یخرجهم التهویل الأوروبی بشأن تهدیدات ترامب بالإنسحاب من الاتفاق من هدوئهم، فقد تحدثوا بلغة رصینة مع الضیف الفرنسی، لاسیما عندما اعتبر الرئیس الایرانی حسن روحانی لدى استقباله لودریان، الاتفاق النووی بأنه یمثل اختبارا لجمیع الاطراف المتفاوضة، مؤکدا على ان دوام وبقاء هذا الاتفاق یبرهن للعالم بأن المحادثات والدبلوماسیة هما افضل خیار لتسویة المشاکل، وأن انهیاره یعنی ان المحادثات السیاسیة هی مضیعة للوقت.
وعلى صعید الدور الاقلیمی لإیران، فقد تم التأکید للضیف الفرنسی ان ایران لا تحتاج لأحد ان یذکرها بأن امن الخلیج الفارسی هو جزء لا یتجزأ من امن ایران وأن هذا الامر یکتسی اهمیة بالغة بالنسبة لإیران، لذلک ترى ایران مصلحة وطنیة وإقلیمیة ودولیة وانسانیة فی وقف الحرب العبثیة المفروضة على الشعب الیمنی المظلوم، ووقف ارسال الاسلحة الغربیة الى الدول التی تفتک منذ ثلاث سنوات بأطفال ونساء الیمن.اما دور ایران فی سوریة، فهو دور جاء استجابة لإرادة الحکومة السوریة الشرعیة المعترف بها دولیا من اجل مکافحة الارهاب هناک، بعد ان اخذ الارهاب یهدد الاقلیم واوروبا والعالم اجمع، وقد قدمت ایران اثمانا باهظة لإنقاذ العالم من آفة الارهاب فی سوریا والعراق والمنطقة.
وزیر الخارجیة الایرانی محمد جواد ظریف حاول «تصویب» مهمة وزیر خارجیة فرنسا عندما دعا الى ان تضطلع اوروبا بدور اکثر فاعلیة للحفاظ عن الاتفاق النووی من خلال الضغط على امریکا لتنفیذ تعهداتها فی اطار الاتفاق وأن لا تسمح لها بتحقیق مطالبها غیر المنطقیة وغیر القانونیة.
کما دعا ظریف اوروبا الى عدم الرضوخ للضغوط الامریکیة، والعمل على ضرورة الحفاظ على الانجاز الدبلوماسی الدولی المتمثل بالإتفاق النووی، فأمریکا لم تلتزم بتعهداتها الاتفاق فحسب بل تعمد الى منع اوروبا من تنفیذ هذا الاتفاق.ان على اوروبا وفی مقدمتها فرنسا وبریطانیا وألمانیا، الدول الثلاث التی وقعت على الاتفاق النووی، ان تقرأ جیدا الرسائل التی ارسلتها ایران على اجنحة فرنسیة، فمن مصلحتها، عدم مماشاة ترامب فی مواقفه غیر المسؤولة، لیس ازاء الاتفاق النووی مع ایران فحسب بل ازاء جمیع الاتفاقیات الدولیة التی العدید منها بالسلم والأمن الدولیین، فمثل هذا التوجه قد یشعل نیران الحروب فی مختلف انحاء العالم، لاسیما بعد ان اتضح للقاصی والدانی، الطبیعة غیر المتزنة لساکن البیت الابیض.
المصدر: شفقنا