عصر إيران - وكالات - كتب وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف مقالا نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية؛ أشار فيه الى أنّه ومع عدم وجود الثقة في التّعامل مع الولايات المتحدة ابتداء من مختلف المواضيع وصولا الى موضوع فلسطين، فإن إيران قد توجّهت للتعاون مع أوروبا في مختلف الملفات.
أبرز المواضيع التي طرحها ظريف في مقالته جاءت على الشكل التالي:
قبل عامين، وفي صباح مليء بالعمل وقبل ساعات من إنهاء التوصّل الى الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي والقوى العالمية الخمسة، دونت على صفحتي الشخصية على تويتر بأن هذا الاتفاق التاريخي ليس سقفا بل قاعدة متينة.
للأسف، فخلال الأشهر الحادية عشر الماضية فقد واجهت إدارة ترامب حسن نية ايران بأخلاق سيئة وبمزيد من النقض للاتفاقيات. اليوم فإنه يُمكن القول إّنه لا يُمكن الوثوق بأمريكا في مختلف القضايا من قضايا تغيير المناخ الى قضية فلسطين. نحن الآن نصب اهتمامنا بتحذير الدول الأوروبية بألا تنهمك في حماقة البيت الأبيض في مسائل أبعد من إطار الاتفاق النووي. ففي الوقت الذي دخل فيه الاتفاق النووي وأوضاع المنطقة مرحلة مجهولة ومرجّحة الى أن تنفجر بشكل كبير، على أوروبا أن تبذل الجهود وتقدم المساعدة من أجل ضمان عدم تكرار التجارب التاريخية.
قبل عقد من مباحثات الاتفاق النووي، فقد اجرت إيران مفاوضات مماثلة مع بريطانيا، فرنسا وألمانيا. الدبلوماسيّون الأوروبيّون وفي محاولة لترغيب إدارة جورج بوش بفرصة دبلوماسية لحل مسألة الملف النووي الإيراني، طلبوا منا أن نتطوع لتجميد فعاليات التخصيب النووي كخطوة لإثبات الثقة، ونحن وافقنا آنذاك.
لكن إرضاء أمريكا كان صعبا ولهذا فعلى أوروبا ألّا تكرّر الأخطاء الماضية. فبعد سنتين من المفاوضات – وتحت ضغوط أمريكيّة – طالبت الترويكا الأوروبيّة فجأة إيقاف كل نشاطات التخصيب النووي في إيران. ففشلت المفاوضات ولم تستطع أوروبا أن توقف برنامجنا النووي كما لم تستطع أن تُرضي واشنطن.
المفاوضات اللاحقة في السنوات التي تلت لم تتوصل الى أي نتيجة لغاية عام 2013، عندما جلسنا مرة أخرى الى طاولة المفاوضات – هذه المرة بشكل مباشر بحضور الولايات المتحدة – إيران خلال العام 2005 كانت تملك 200 جهاز طرد مركزي لكن خلال العام 2013 كانت تملك أكثر من 20 ألف جهاز طرد مركزي. في ذلك الوقت، لم يكن هناك أي مجال لإيقاف برنامج تخصيب اليورانيوم على الأراضي الإيرانية.
الاتفاق النووي يشكل نموذجا نادرا للانتصار الدبلوماسي أمام سياسة المواجهة. وإضعاف هذا الاتفاق يعدّ خطأ جسيما. لا يجب على أوروبا بسبب تغيّر التوجهات في واشنطن أن تدخل أزمة جديدة غير ضرورية إن كان في موضوع البرنامج الصاروخي الإيراني أو كان عبر تواجد إيران ونفوذها الإقليمي. فافتعال هذه الأزمة سيسلم نفس المسار الذي سلكه في مرحلة ما قبل الاتفاق النووي.
وهنا لا بد لي أن أؤكد أن القدرات الدفاعية الإيرانية مطابقة للقوانين الدولية وهي قدرات دفاعية بالكامل. فأسلوبنا الدفاعي واعتمادنا على أنفسنا هو نتيجة حسابات جيواستراتيجية منطقية وكذلك نتيجة اعتقاداتنا الأخلاقية والمذهبية. عقيدتنا العسكرية مبينة على تجاربنا التاريخية – خصوصا الحرب بين إيران والعراق، عندما كان صدام حسين يقصف المدن الإيرانية بواسطة صواريخ من صنع الاتحاد السوفياتي السابق حيث كانت بعض الصواريخ تحمل رؤوس كيميائية؛ لكن العالم لم يسكت فحسب، بل لم يُقدم أيّ بلد على بيعنا السلاح لكي نقف في وجه المعتدي من أجل خلق حالة ردعيّة معه.
لقد استخلصنا العبر من هذه التجربة. ونعتبر الصواريخ كأداة مؤثرة في الردع لذلك قمنا بتعزيز هذه القدرات وطوّرناها. ونحن نصب اهتمامنا اليوم على زيادة دقّة هذه الصواريخ وليس مدياتها، وعلى هذا الأساس فقد أصبح لدينا قدرات على الرد بصواريخ نقطوية ودقيقة. الأسلحة النووية لا تحتاج لأن تكون دقيقة في إصابتها، في حين أن الرؤوس الحربية المتعارف عليها تحتاج لأن تكون دقيقة في الإصابة.
التزامنا بالدفاع المشروع عن أنفسنا ليس شعارا. وقد استخدمنا صواريخنا ضد عدد من الأعداء المتعجرفين: نظام صدام حسين وحلفاؤه وإرهابيي داعش. وكانت هجماتنا ردًّا على الجرائم المريعة التي ارتكبها هؤلاء بحق الشعب الإيراني.
لن تترك أي حكومة في إيران شعبها من دون أن تدافع عنه. وعلى المجتمع الدولي – وخصوصا أوروبا - أن يدرك هذا الأمر؛ وبدل أن يدخل في هذه المسألة، عليه أن يبذل الجهود لمكافحة التهديدات العالمية الحقيقية كالحروب التي واجهت الشرق الأوسط مؤخّرًا.
إيران لعبت دورا كبيرا من أجل إيقاف عملية نزف الدم في سوريا على مدى أعوام طويلة. وخلال عام 2013، قدّمنا مشروعا لإنهاء الأزمة في سوريا عن طريق وقف إطلاق النار، تشكيل حكومة وحدة وطنية، تعديل الدستور في سوريا وإجراء انتخابات عادلة وحرة في هذا البلد. لكن هذا الطرح لم يلقى آذانا صاغية. وعلى الرغم من هذا فقد استمرينا بمساعينا. وفي هذا السياق، فقد قطع رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية حسن روحاني شوطا مهما لجهة إحلال السلام في سوريا في القمة التي جمعته الى نظيريه الروسي والتركي حيث خرجت هذه القمة عن تقديم مساعدات إنسانية بشكل أكبر للشعب السوري، تعزيز مناطق خفض التوتر وتشكيل مؤتمر حوار بين أطراف الشعب السّوري.
فيما خص اليمن، فبعد أسبوعين من بداية القصف السعودي الوحشي عليه في أبريل 2015، تقدّمت إيران بمشروع شامل لوقف إطلاق النار، إيصال المساعدات الإنسانية الضرورية ثم تشكيل طاولة مفاوضات وطنية من أجل تشكيل حكومة جديدة. لكن المسببين بهذه الأزمة الإنسانية وحلفائهم الغربيين فضّلوا الحرب على هذه المشروع.
في الوقت التي سعت إيران وشركائها الى إطفاء الحرائق، كانت هذه النار تشتعل بشكل جنوني ووحشي في المنطقة. لقد تجاهلوا ضرورة التعامل البناء. وعلى الرغم من الأهمية البالغة لهذا الموضوع، لم يكن لدى الدول التي تملك النفوذ اللازم الاستعداد اللازم من أجل وقف إطلاق النار وقابلته بمزيد من التّصعيد.
نحن نطالب الأشخاص الذين يمتلكون حسّ المسؤولية أن ينظروا الى المستقبل بشكل جيّد وأن يستوعبوا التطورات. وبناء على هذا، علينا أن نتوصل الى رؤية مشتركة لمستقبل السلام واتخاذ خطوات شجاعة وملموسة للتوصل اليه. لقد اقترحت خلال شهر نيسان من العام 2015 مقترحا لإقامة مفاوضات إقليمية في محاولة لجمع إيران وجيرانها وبذل الجهود من أجل تثبيت السلام في المنطقة. نحن نأمل أن تبذل الجهات الدولية المسؤولة المساعي اللازمة من اجل إقناع حلفائها الإقليميين بأن يأخذوا مقترحنا على محمل الجد. أعتقد ان هذا سيشكل بداية جيّدة نحن ندعو مجددا جميع الجيران للمشاركة في هذه الدعوة.