عصر إيران - لم يشهد التاريخ الحديث صراعا في منطقة الشرق الاوسط ان قسمها الى قسمين مثل الصراع الايراني السعودي. هذا التنافس على النفوذ والهمينة رافقته وساندته سياسات متعددة ومتنوعة امتدت من خطاب طائفي تحريضي الى خطاب وطني وقومي عربي.
تنوّعت استراتيجيات السعودية في المواجهة مع ايران. فحين تقتضي الحاجة تستخدم خطابا طائفيا واحيانا اخرى خطابا قوميا عربيا. بعيدا عن مسببات هذا الصراع، هذا التنوع والارتباك في اساليب المواجهة يدل على ضعف في قدرة السعودية على مواجهة خصومها وفرض هيمنهتا على المنطقة.
تسعى الدول عادة الى تحسين شروط المواجهة مع خصومها من خلال تحسين قدراتها الاقتصادية والعسكرية والسياسية لا من خلال التحريض المذهبي. ذلك ان الخطاب المذهبي قد يرتد سلبا عليها. فعندما تلجأ دولة ما الى الخطاب المذهبي فهي تمد الجماعات المتشددة بالحجج والامكانات كي توسع من قاعدتها الشعبية. هذاه الجماعات كما اصبح معلوما لن تقبل بأي تراجع للدولة عن مواقفها المتشددة والا سوف تعتبر مرتدة ومخالفة لمبادئها. مما قد يدفع هذه الجماعات الى ان تعاديها وقد تلجأ الى العنف بغية استبدالها او دفعها للعودة الى مواقفها السابقة.
يمكن لنا ان نميز ثلاثة استراتيجيات اعتمدتها السعودية في سبيل مواجهة ايران في المنطقة. الاستراتيجية الاولى هي الخطاب المذهبي الطائفي وهو الخطاب الطاغي على السياسة والاعلام السعودي. هذا الخطاب يوظف لغة طائفية عبر محاكاة الغرائز بغية استقطاب الشارع السني واضفاء شرعية شعبية على نظام الحكم. استخدم هذا الخطاب بشكل كبير منذ قيام نظام الحكم في ايران عام 1978. سوف يزداد استخدام هذا الخطاب حدة في المستقبل القريب وذلك بسبب صعود الجيل الثاني والثالث للحكم من العائلة الحاكمة والذي يسعى الى شرعية شعبية تعزز حكمه وموقعه. وذلك بسبب الصراع الدائر اليوم في اروقة الحكم السعودي بين ابناء واحفاد الملك السعودي الراحل عبد العزيز ال سعود.
الاستراتيجية الثانية هي الخطاب القائم على تحريض ابناء الوطن الواحد على بعضهم كي تضعف حلفاء ايران داخل هذه الدول. استخدمت هذه الاستراتيجية بشكل واضح وعلني في لبنان. بعد اغتيال رفيق الحريري عام 2005 وانسحاب القوات السورية سعت الرياض الى اضعاف حزب الله، حليف ايران في لبنان. مثلا موّلت الانتخابات النيابية اللبنانية عام 2009 بحوالي مليار دولار حسب ما ذكرت جريدة النيويورك تايمز لضمان فوز قوى 14 اذار الحليفة وهزيمة حزب الله وحلفائه. على الرغم من ذلك فاز حزب الله في الانتخابات النيابية ودخل الحكومة وحصل على الثلث الضامن فيها. هذه الاستراتيجية ساهمت في تأجيج الصراع الداخلي اللبناني وتوسعة الشرخ بين السنة والشيعة، وهذا الامر ينطبق ايضا على الصراع الدائر في العراق بين السنة والشيعة.
الاستراتيجية الثالثة هي استخدام الخطاب القومي العربي. استخدم هذا الخطاب خلال فترة المواجهة مع ايران منذ العام 1978 بنسب متفاوتة. لم تعتمد السعودية على هذا الخطاب الا قليلا. وقد يعود ذلك الى وجود دول تخاصمها في المنطقة اي النظام السوري والعراقي والتي تحمل خطابا عروبيا قوميا. الا ان انهيار النظام العراقي ونشوب الحرب السورية امّن للسعودية المساحة الكافية لاستخدام هذا الخطاب خصوصا مع غياب اي طرف عربي اخر يحمل هذا المشروع. المفارقة ان الحكم السعودي عُرف تاريخيا بعدائه لتوجهات عبد الناصر العروبية وكان من دعاة الوحدة الاسلامية لمواجهة المد العروبي الناصري.
استخدم الخطاب القومي العربي من قبل السعودية ايضا في حربها على اليمن. فقد دخل ادبيات السياسة الخارجية السعودية بشكل غير مسبوق. بررت الرياض الحرب على اليمن بحجة حماية عروبته ومنع التمدد الفارسي علما ان الحرب السعودية لها اسباب خارجية وداخلية ايضا. فلا يمكن فهم اسبابها من دون قراءة الصراع الدائر حاليا بين الابناء والاحفاد على سدة الحكم والذي يسعى كل واحد منهم للشرعية والشعبية وابراز نفسه كرجل دولة وقائد عسكري قادر على ادارة شؤون المملكة.
المفارقة ان السعودية لم تنجح في منع تمدد نفوذ ايران في المنطقة او العالم على الرغم من الاموال التي صرفتها بغية تحقيق هدفها. فإيران استطاعت ان تحرز تقدما في مفاوضات ملفها النووي. واما الارهاب والتهويل من المد الايراني لم يمنع طهران من تعزيز نفوذها وفي المقابل لم يعزز من نفوذ السعودية في المنطقة.
في العراق مثلا استطاعت ايران ان تتدخل عسكريا بعد ان دعمت السعودية ولو ضمنيا احتلال داعش لمناطق واسعة من البلاد.
في سوريا استعان النظام بمستشارين ايرانيين لمواجهة المعارضة المسلحة المدعومة من السعودية ودول عربية واجنبية اخرى. بمعنى اخر تدهور الدور الاقليمي للسعودية اعطى هامشا اوسع وحرية اكبر لإيران لتعزيز نفوذها.
ان ضعف الرؤية السياسية والصراع السياسي الداخلي السعودي ساهما في اضعاف دورها الاقليمي وتقوقعها خلف خطاب مذهبي خسرت بسببه شعبيتها لدى شريحة واسعة من العرب. مثلا الحرب على اليمن التي شنت تحت ذريعة منع التمدد الايراني كلفت السعودية مليارات الدولارات واضعفت من موقفها الاقليمي والدولي بسبب الجرائم التي ارتكبتها ناهيك عن المجازر والدمار الذي سببته بحق الشعب اليمني المظلوم.
المصدر: رأى اليوم