عصر إيران - مع اقتراب شهري مارس وابريل اللذان يعدان الموسم الاشد ذروة في كل عام للعواصف الترابية التي تنطلق من العراق والتي باتت لاتشكل تهديدا للعراقيين فقط وانما لدول الجوار والمنطقة ايضا، لاسيما ايران والكويت اصبح الامر ملحا بضرورة التذكير بخطورة هذا الامر واعتباره التهديد الجدي الذي سيواجهه العراق والمنطقة بعد داعش .
فالعراق وبعد عمليات تجفيف الاهوار الاجرامية التي قام بها النظام السابق واقتلاع الاشجار من بعض المناطق واحتراقها اثر الحروب التي عاشها هذا البلد جراء السياسات الغاشمة للنظام الحاكم آنذاك واهمال القطاع الزراعي، شهد مؤخرا مشكلة التصحر وهي مشكلة تفاقمت عندما انخفض مستوي الامطار الي 250 ملم بالسنة وارتفاع درجات الحرارة وارتفاع نسبة ملوحة الارض وانحسار الغطاء النباتي او وجود غطاء متناثر للنباتات وانخفاض الانتاج الزراعي وانخفاض الموارد المائية هذه كلها اسباب وعوامل التصحر وايضا نزوح الانسان من الريف الي المدينة عامل من عوامل التصحر التي تفاقمت ووصل الحال بها الي هبوب العديد من الرياح الترابية التي تؤدي غالبا الي احداث مشاكل بيئية وصحية اهمها امراض الجهاز التنفسي وامراض العيون وكذلك قتل العديد من المحاصبل الزراعية.
ولعل اهم الاسباب التي جعلت من العراق بلدا مصدرا للعواصف الترابية هي انحسار غابات النخيل في وسط وجنوبي العراق من 48 مليون نخلة في سبعينات القرن المنصرم لنحو 8 ملايين نخلة في الوقت الراهن نتيجة احتراقها في الحروب العبثية او اعدام تيجانها الخضراء لتصبح مجرد اعمدة خشبية قائمة تمكن الرؤية للطائرات الحربية لقصف جنود الطرفين في حرب الخليج الفارسي الاولي.
مما اثر سلبا علي المناخ المناطقي واخل بالعناصر الاساسية لاستقرار المناخ منذ آلاف السنيين كما ان تجفيف أهوار جنوبي العراق حيث بلغت المسطحات المائية المجففة نحو 9 آلاف كم2 من اصل 10 آلاف كم2 ( كان خزينها المائي نحو 12 مليار م3 )، اضافة الي ازالة غابات القصب والبردي مما اخل بالعناصر المناخية المناطقية وأدي لخلخلة التربة وتصحرها وانحسار المياه عنها خاصة ان منطقة الأهوار تمتاز بخاصية جيولوجية فريدة عن بقية مناطق العراق، فهناك هبوطات ارضية تصل لنحو 2 – 5 سم سنويا بفعل عوامل تكتونية.
وهذا ما يفسر عدم اغمار منخفضات الأهوار ولمئات السنين بالحمولات الطمية لمياه نهري دجلة والفرات التي تغمر سنويا، وعلي العكس في مجاري الانهار والخزانات المائية تعمد الجهات المتخصصة علي كريها للحفاظ علي سعتها المائية ولم تلحظ اجراءات الكري في منطقة الأهوار، ما أدي لاستمرار الهبوطات الارضية وبعدم وجود تعويضات طمية مقابلها كما في السابق زاد النشاط التكتوني والمتأثر اصلا بحركة الصفائح القارية بالقرب من البحر الاحمر.
كما يشكل تراجع الاهتمام بمراعي البادية مقابل تزايد عمليات الرعي الجائر سببا رئيسيا اخرا أدي لاختلال الاحزمة الخضراء في البادية وبالتالي تخلل الطبقة السطحية للرمال الصحراوية، ومع تعاقب موجات الجفاف اصبحت الطبقة السطحية اكثر عرضة للانجراف بفعل الرياح وزادت حمولاتها من الغبار والاتربة وحبيبات الرمل الصغيرة والمتوسطة التي تؤثر سلبا علي الاراضي الزراعية وتعصف بالمدن المحاذية للصحراء وتسبب تلوث الهواء والبيئة.
فيما يعد انحسار المساحات الغابية اما نتيجة للحرائق بالحروب العبثية وأما نتيجة التحطيب الجائر ومقابل ذلك غياب عمليات التحريج الاصطناعي سببا اخرا، أدي لتكشف مساحات واسعة من ارض الغابات وبفعل الانجراف الريحي والانجراف المائي نتيجة عمليات الحت المختلفة، تخلخلة الطبقة السطحية للتربة ماأدي لسهولة انجرافها وتصحرها.
كما ان انحسار مياه نهري دجلة والفرات أدي لاختلال مناسيب المياه في المجاري والروافد، وبوجود عوامل مناخية مثل الحرارة، الرياح، الجفاف، تكشف المساحات الخضراء علي ضفاف المجاري المائية، أدي لتزايد عمليات الحت المائي والريحي وتسبب في انهيار قوام التربة لضفاف المجاري وبعدم وجود الصيانة الدورية تخلخلة التربة السطحية وبفعل العواصف والرياح القوية تتطاير حبيبات التربة مع الهواء لتنقل الي اماكن اخري فتسبب تلوث هوائي للمناطق القريبة منها.
فيما يشكل تراجع المساحات الزراعية نتيجة العجز المائي علي مستوي البلاد بفعل الاجراءات التركية ضد العراق فيما يخص نهري دجلة والفرات، مع وجود خلل في الادارة المائية والبيئية علي مستوي العراق، ادي الي تصحر وتملح الاراضي الزراعية.
كما ان ضعف التنسيق والتعاون علي المستوي الاقليمي لمواجهة مشاكل التصحر يعد سببا اخرا في الوقت الذي تعتبر فيه مشكلة التصحر مشكلة عالمية وتحتاج لجهود كافة الاطراف للوصول الي نتائج ايجابية.
هذا وقد صنف علماء تابعون للأمم المتحدة في عام 2013 العراق كأحد اهم مصدر للعواصف الترابية التي تشهدها المنطقة مشيرين الي ان صحة الانسان تتأثر سلبيا بذلك.
ويقول علماء الانواء الجوية إن ايران والكويت هما البلدان الاكثر تضررا في المنطقة نتيجة الاتربة والرمال القادمة من سوريا والعراق.
وبحسب العلماء فان سوء استغلال التربة والمياه نتيجة الحروب التي تشهدها المنطقة يعد عاملا مهما في التسبب بظاهرة التصحر وزيادة العواصف الترابية، اضافة الي التغير المناخي بشكل عام، واشاروا الي ان مناطق لم تالف العواصف الترابية بدأت تشهدها مثل بعض اجزاء آسيا الوسطي.
واكد انريك تيراديلاس وهو احد علماء الانواء الجوية العاملين في مركز التنبؤ بالعواصف الترابية التابع لمنظمة الانواء الجوية العالمية ان منطقة الشرق الاوسط شهدت زيادة كبيرة في عدد العواصف الترابية وشدتها في السنوات الـ 15 الاخيرة، وان العراق كان احد اهم مصادر هذه العواصف نتيجة انحسار مستويات الانهار بسبب السباق المحتدم علي بناء السدود في بلدان المنابع، وذلك أدي الي جفاف الاهوار والبحيرات في العراق وايران تاركة ورائها الاتربة التي تذروها الرياح.
وفيما كانت الصحاري دوما مصدرا مهما للعواصف الترابية في المنطقة يقول علماء ان نشاطات التعدين غير المستدامة واستخراج النفط والنشاط الزراعي والحروب المستمرة تزيد الوضع سوءا.
ويتنبأ برنامج البيئة التابع للامم المتحدة بأن يشهد العراق زهاء 300 عاصفة ترابية سنويا في غضون 10 سنوات، بينما يشهد اليوم نحو 120 عاصفة سنويا.
وتوقع برنامج الامم المتحدة للبيئة (UNEP) ان العراق قد يشهد حوالي 300 عاصفة ترابية في العام خلال 10 سنوات، بدلا من 120 عاصفة في العام في الوقت الحالي.
وبين تقرير لمجلس الامن في 12/3/2013 ميلادي انه 'علي الرغم من عدم اكتمال البيانات العلمية، تم الاعتراف بأن العراق لا يتاثر فحسب بالعواصف الترابية، بل اصبح واحدا من البلدان المصدرة لها نظرا لتعرضه لتدهور البيئة طيلة عقود عديدة'، وان ازدياد عدد العواصف الترابية وتواترها تشكل مخاطر اقتصادية وصحية ليس في العراق فحسب، بل وللمنطقة بأسرها.
الهيئة العامة للانواء الجوية والرصد الزلزالي العراقية وأثر اطلاعها علي التقرير الفصلي الذي قدمه السيد (بانكي مون) الامين العام للامم المتحدة آنذاك الي مجلس الامن والذي اكد فيه ان العراق سيتعرض الي 300 عاصفة في العام، علي مدي العشرة سنوات المقبلة، نشرت جدولا يوضح السجل المناخي لظاهرة العواصف الغبارية لخمسة محطات مناخية عراقية وهي الموصل وبغداد والرطبة والسماوة والبصرة، موزعة علي شمال ووسط وجنوب العراق والمنطقة الغربية، لتمثل العراق بأكمله.
وبين الجدول سجلات الرصد المناخي لمدة 31 عام تم تسجيلها في هذه المراكز منذ عام 1980 ميلادي ولغاية عام 2012 ميلادي ووفق المعطيات التالية مركز بغداد 270 عاصفة بمعدل 10 عواصف لكل عام، مركز الموصل 62 عاصفة بمعدل 2 عاصفة في كل عام، مركز الرطبة 138عاصفة بمعدل 6 عواصف في كل عام، مركز السماوة 171 عاصفة بمعدل 6 عواصف كل عام، مركز البصرة 181 عاصفة بمعدل 7 عواصف كل عام، كما اوضح الجدول ان الهيئة العامة للأنواء الجوية والرصد الزلزالي لاتتوقع ان يسجل في عام 2013عدد كبير للعواصف الغبارية وذلك لغزارة الامطار المسجلة لهذا العام.
وتشير بحوث الهيئة الي نوع من الترابط العكسي بين ظاهرة العواصف الغبارية وعنصر المطر، وان الدراسات التي أجرتها الهيئة ومراقبة الصور الفضائية تشير الي وجود مصادر للعواصف الغبارية موجودة في جميع أرجاء المنطقة ومن ضمنها العراق، كما وبينت آنذاك ان تكرار العواصف الترابية ينحصر بين أشهر آذار الي نهاية مايس سنويا.
وفي كل الاحوال تجمع التوقعات ونتائج الرصد الجوي علي ارتفاع كبير وخطير جدا في نسبة العواصف الترابية في العراق وهذا الامر يشكل خطرا بيئيا كبيرا علي الانسان في العراق والمنطقة وخصوصا الدول المجاورة كايران والكويت ولايختصر علي الانسان فقط بل سينعكس علي الاقتصاد في هذه البلدان فلابد من وقفة جدية وتضارف للجهود لهذه البلدان لتفادي هذا الخطر البيئي الكبير والتهديد الذي لايقل خطرا عن عصابات داعش الارهابية.
المصدر: وكالة إيرنا